ونزلنا في فندق صغير في باراميه، وحاولنا أن نجرب حظنا على ساحل البحر، ولكننا لم نصادف نجاحاً، فقد كان هناك كثير من المصورين وقليل من الزبائن، ولم أستطع طول هذه الأيام أن أحصل على نفقات الغرفة والطعام التي كانت باهظة. وأكثر من ذلك أنه كان يمر تحت المنزل تماماً ترام كأنه فيل ميكانيكي هائل، فكان يهز المدينة بأجمعها هزاً مرعباً كلما تحركت أطنان الحديد المخيفة المركب منها. وكنت أعود في المساء يقتلني التعب والإعياء من حمل آلتي الثقيلة على كتفي من أول ساحل البحر حتى منتهاه، وكنت أستيقظ مبكراً لكي أقتنص زبوناً من بين المستحمين المبكرين، فكانت حاجتي إلى النوم تسحقني سحقاً عندما ألقي بجسمي في السرير بعد العشاء. على أنه لم يكن هناك سبيل إلى النوم قبل الساعة الواحدة صباحاً حين تقف حركات ذلك الجسم البشع الثائر.
وعندما انتهى الأسبوع الأول من إقامتنا انتقلنا إلى الطرف الآخر من المدينة نبحث عن الهدوء تحت أسوارها العالية. على أننا لم نجد مسكناً معتدل الثمن، فاضطررنا أن نقنع بغرفة ممتلئة بالأثاث المتراكم فوق بعضه بدون نظام، وكنا ندفع أجرها عشرة فرنكات كل ليلة، نعم كل ليلة لا كل يوم، فقد كان لزاماً علينا ألا ندخلها إلا في المساء وأن نخرج منها في الساعة التاسعة صباحاً على الأكثر. وكان محرماً علينا أن نستخدم باب الغرفة لأن في ذلك إزعاج لأصحاب الدار، فكنا ندخل إلى الغرفة ونخرج منها من نافذة تطل على الفناء.
وانتظرت ما سوف تكون عليه صديقتي في حالاتها المختلفة، وكنت أنظر والحسرة تمزق قلبي إلى سور المدينة الشاهق. ذلك السور الذي سوف لا تتأخر رفيقتي عن اختياره مكانا تختفي فيه انتقاماً مني. والذي كانت تتحطم في أسفله جماجم كثير من الناس الذي كانوا يتنزهون فوق سطوحه العالية. ولقد بلغ مني العجب مبلغاً كبيراً إذ لم يحدث شئ مما كنت أتوقع. فقد كانت رفيقتي دائمة السرور والابتسام، وكانت تجد مجالاً واسعاً للسخرية والهزء في غرابة أطوار صاحب الدار الذي سمح بتأجير آخر غرفة (معدة للإيجار) لديه على أن يدخل المستأجر إليها ويخرج منها من النافذة!
ولكي أثير حب استطلاع فتاتي التي كانت تعجب بقصص المهربين؟ قلت:
- إنه يبدو لي تماماً أن هذه المدينة كانت موطناً لقرصان البحر القدماء.