الإيطالي وإذن فإن عهد الفارابي كان من عهود ازدهار الفلسفة الإسلامية. ولعل تلك الجمعية الفلسفية هي قبس من الروح الفلسفية التي أشاعها المعلم الثاني في بلاد الإسلام؛ ولعل موسوعتها (رسائل إخوان الصفاء) تقليد ومحاكاة لموسوعته (إحصاء العلوم) فقد تقدم أن بعض مؤرخي آداب اللغة العربية يعتبرونه من مؤسسي الموسوعات أو هو المؤسس الأول الوحيد لها، ولم أنفرد برأيي هذا فقد اطلعت بعد سنوحه لي على ما كتبه مدرسان في كلية الآداب بمصر هما الدكتور إبراهيم بيومي مدكور ويوسف أفندي كرم إذ قالا في كتابهما اللطيف (دروس في تاريخ الفلسفة):
(تتلمذ للفارابي كثيرون ممن بهرهم بسيرته الصالحة وأخلاقه الوديعة واستولى عليهم بآرائه الناضجة وأبحاثه الدقيقة وقد تأثر به بوجه خاص طائفة من الباحثين هم أشبه بالجماعات السرية منهم بالمدارس العلمية المنظمة ونعني بهم (إخوان الصفاء) الذين لا زلنا نجهل الشيء الكثير عن تاريخ نشأتهم وتكونهم؛ الذين كانوا يمتون في أغلب الظن بصلة إلى الباطنية والإسماعيلية. ومهما يكن من أمرهم فمن المحقق أنهم نشئوا في القرن الرابع للهجرة فعاصروا الفارابي وأخذوا عنه؛ وإن تكن فكرتهم في الفلسفة أوسع مجالا من فكرته فما كانوا يقفون عند أفلاطون وأرسطو طاليس بل جاوزوهما إلى المدارس اليونانية (الأخرى) وهذا يبين عمق تأثير الفارابي في العقلية الإسلامية وحسبك أنه سحر ابن سينا على جلاله وكبريائه فأخذ يشدو بحمده ويعلن عن فضله عليه في تفهيمه علم ما بعد الطبيعة.
وقد تعددت نواحي عظمة الفارابي واختلفت وجوه عبقريته وكثرت أفانين معرفته فهو مرجع في كثير من العلوم غير الفلسفية فهذا نلينو المستشرق الإيطالي يرشد في كتابه (علم الفلك وتاريخه عند العرب في القرون الوسطى) - من أراد أن يعرف آراء العرب في علم الفلك والهيئة إلى جملة كتب كان أولها كتاب (عيون المسائل) لأبي نصر الفارابي وهو مجموعة رسائل الفارابي المطبوعة بليدن سنة ١٨٩٠م ثم بمصر سنة ١٣٢٥هـ ثم إن الفارابي عرف بعلم الموسيقى وغيره مما سنعود إليه.
ولقد كانت شهرة الفارابي في أوربا ضاربة أطنابها على جامعاتها وساح ذكره في أقطارها. ويقص علينا الأستاذ فرح أنطون في كتابه (ابن رشد وفلسفته) عن مبدأ دخول الفارابي إلى