دراسة مقارنة علم (قائم يدرسه علماء مشهود لهم بالتضلع والأستاذية) في كل جامعات العالم، وعلماء أمثالهم في غير الجامعات؛ ولكن دهشتنا عند النظرة الأولى خليقة أن تزول عند النظرة الثانية؛ إذ تتكاشف لنا أسباب خفاء هذه الحقيقة القريبة اليسيرة. فمن أسبابه أن القائمين بدراسة هذا العلم علماء غير أدباء، وهم ينظرون إلى موضوعاته نظرة علمية لا فنية. ومن أسبابه أن أكثرهم من صغار العلماء، والعالم الصغير في يده منهج، وفي وجهه عينان ينظران في اتجاه واحد، وليس يلزم نفسه ولا يلزمه أكثر الناس - حتى المثقفين - أن يكون له في رأسه عقل واسع يعي ما يرى، ولا أن يكون بين جوانبه قلب كبير يحس به، فهو إذن أحسن الفهرسة والتعداد والتنسيق - وهذا غاية وسعة - كان هذا حسبه في نظر نفسه وفي أنظار الناس، لأن المسألة عنده عملية حسابية تجمع فيها أجزاء إلى أخرى، أو تطرح منها، وليس بنية حية تعاشر وتؤلف كالأزواج والأقرباء والأصدقاء. ومن أسبابه أن أكثر القائمين به من اليهود وتلاميذهم الذين يسيرون على نهجهم المغرض العقيم.
فأما العلماء اليهود فمغرضون لأن همهم تبيين فضل الديانة اليهودية وأسفارها على ما تلاها من الديانات والفلسفات الدينية وكتبها وما إلى ذلك، أما ما تأثر الناس به منها؛ أو ما كان لها من آراء كالآراء التي كانت للنابغين قبلها وبعدها عند الأمم الأخرى. ومعلوم أن العهد القديم أقدم أسفار الديانات الكتابية وحصر البحث في الحيز الضيق، وتناول النظم بعد تفتيتها على النهج العلمي الجاف هما الكفيلان ببيان فضل اليهود ونبوغهم. وهذا على فرض أمانة هؤلاء العلماء في البحث وهذا الغرض قد يعذر اليهود بشأنه على ما فيه من مآخذ.
ولكن لهم غاية شر من هذه الغاية وهم يسيرون على هذا النحو المضلل، هي تشكيك المسيحيين والمسلمين_وهم أقوى مزاحمي اليهود_في الديانتين، فالعالم إذا تمكن من تفتيت الدين، وأعاد كل فتات إلى مصدر قلبه ولو لم يكن المصدر يهوديا_استطاع أن يمحق قداسة الدين في القلوب والعقول، وبخاصة عند المسلمين الذين يعتقدون أن القرآن وحي من الله أنزله على محمد فبلغه من غير أن تكون له مشاركة فيه، وهذا يخالف ما يعتقد المسيحيون في الوحي، إذ يرون أن كتاب الأناجيل هم كاتبوها بإلهام من الله وإشراف عليهم منه.
ونحن إذ نلاحظ ذلك غير غافلين عن أن هذا المنهج قد طبقي مجال أوسع مما أراد اليهود،