فقد قام علماء من غير اليهود ومن اليهود أيضا بعقد مقارنات بين كثير مما جاء في العهد القديم ولا سيما التوراة وما جاء في الشرائع والعقائد السابقة له عند الأمم القديمة كالمصريين والبابليين والهنود وغيرهم فزعزعوا من مكانة العهد القديم ما زعزعوا، ولكن في أنظار غير اليهود، فأما اليهود فهم متمسكون بنصوص كتبهم المقدسة وحروفها ونقطها برغم كل نقد وهدم سواء في ذلك أحبارهم والملحدون الذين ينكرون الله والأديان فيهم. فحتى السلع التي يصنعها اليهود في نقد كتبهم إنما هي سلع للتصدير إلى غير اليهود لا للاستهلاك المحلي بينهم كما يقال بلغة التجارة، وهم يروجونها بكل مالهم من حول وحيلة، لأن ضررها واقع على غيرهم لا عليهم، وإنما مثلهم في ذلك مثل صناع المسكرات والمخدرات وتجارها الذين لا يعاقرونها.
وأما تلاميذهم من غير اليهود فمعظمهم ببغاوات (تبغبغ) بما تلقن دون فهم أو تصور، أو هم مورطون بأهواء تحول بينهم وبين الخارج على أساتذتهم، وأكرم هذه الأهواء أنهم أمام أساتذتهم كهان أوثان في عالم وثني أو شبه وثني يعترف لأوثانهم بالتقدير والإجلال عن جدارة أو عن غيرها. وليس مما يليق في (صناعة) الكهانة، ولا مما يغتفر أن يهون الكاهن من شأن وثنه أمام الناس صراحة أو رمزا، على حين أنه لا ينتظر منهم أن يحترموه إلا لسبب واحد هو أنه كاهن ذلك الوثن. فتقديره لوثنه تقدير لكهانته هو، ودفاعه عنه دفاع عن نفسه، فهو ملتزم شريعته أمام الناس؛ ولو كان هو به في أعماق سريرته أكفر الكافرين.
وهؤلاء التلاميذ على خير الوجوه علماء لا أدباء، وهمهم التحليل والتركيب، والمنهج التحليلي وحده لا يمكن أن يتأدى بنا إلا إلى ضلال.
ومن أسبابه أن من وراء هؤلاء وهؤلاء مستهلكين أو مروجين لا ناقدين ولا صناعا، وهذا على فرض أن هذه الموضوعات من همومهم، فكيف وليست هي كذلك ولو كانوا من الثقافة في أرفع مكان.
ومن أسبابه أن هذه الموضوعات تتناول مسائل الدين، وهي دقيقة شائكة، والتورط فيها غير مأمون العواقب، وأكثر الناس - ولا جناح عليهم - يؤثرون لأنفسهم السلامة والعافية، فلوفهم المهتمون بها شيئا منها، لآثروا - حبا للسلامة والعافية - أن يقتصروا منها على الفهم لأنفسهم أو مع خلصائهم غير ملومين، ويتوجسون خيفة أن يظهروها، وحسبهم بعد