ومن أسبابه أن هذا العلم - أو هذا النمط من المعرفة الموكل بدراسة الموضوعات - علم حديث أو ضيق على رغم ذيوعه، والدراسة لم تتسع حتى تشمل كل موضوعاته ولا سيما على النهج الفني الذي نريده، وهو لم يظفر حتى اليوم بالأدباء والأكفاء الذين يستطيع الواحد منهم أن يحيد فيها علما وشعورا بموضوعه الذي يتصدى له، ويفقهه حق الفقه، ونحن مفرطون في الشطط والوهم إذا انتظرنا من أديب واحد أن يستوعب كل موضوعاته، فبحسب الأديب إتقان ما يتعرض له منها.
ولو أهم موضوعنا هذا أحدا من المسلمين قبل اليوم، وكان له أهلا لما عز عليه أن يناله لأنه قريب يسير، ولا تحفنا بكتاب ذي أجزاء عدة في هذا الموضوع الطريف.
وهذه هي أهم الأسباب التي يمكن أن تقال - إزالة لدهشة الجهل، وتعليلا لخفاء هذه الحقيقة - وهي أن صور أبطال اليهود في القرآن (صور إسلامية) وصورهم في العهد القديم (صور يهودية) والخلاف بين صورتي كل بطل منهم خلاف واسع، قد يصل إلى حد التناكر والتبرؤ، كما يختلف العدوان اللدودان. وأهم ظاهره في هذا الخلاف هو عصمة هؤلاء الأبطال في القرآن عما لا يليق بهم، وعدم عصمتهم في العهد القديم عن ذلك، وهذا باب واسع، والطريق من ورائه طويل كثير العقبات، والسير فيه محفوف بالأخطار، ومجمل ما يقال إتماما للبيان أن الديانتين الإسلام واليهودية - مع اتفاقهما في النظر إلى كثير من الأعمال والحكم عليها حكما واحدا - مختلفان أبعد الاختلاف في النظر إلى أعمال أكثر منها، وفي الحكم عليها، فمن الأعمال ما تعده اليهودية فرضا لازما، ويعده الإسلام محرما كل التحريم، فتحديد ما يليق وما لا يليق عمل شاق كل المشقة وإن يكن ممكنا يسيرا. ومرجع ذلك إلى أن اليهود فوجئوا بديانتهم قبل أن يتمدنوا ويأتلفوا مع غيرهم، ويحسوا بالإخاء لهم، وتمت ديانتهم وهم قبيلة بدوية تضرب في آفاق شرقا وغربا، فتداس من القبائل التي هي أقوى منها، وتستبعد من الأمم التي تتصل بها، وبقيت هذه الديانة راسخة متماسكة حتى الآن في القبيلة لأسباب يطول شرحها، فهي لا تحس بواجب عليها نحو غيرها من البشر، لأنها عندما تكونت ديانتها كانت في حالة حرب مع كل الناس ومع الطبيعة نفسها وإلههم نفسه لم يسلم من هذه العداوة رغم حرصهم على عبادته وحده، فهم لا