إذا القوم قالوا من فتى خلت أنني ... عنيت، فلم أكسل ولم أتبلد
ألا ترى هذا البيت الذي يكاد يقفز عن صفحة الكتاب، فتى مملوء النفس بالقوة وحماسة الفتوة، ويده على مقبض سيفه يلتف يمنة ويسرة ليرى القوم الذين كربهم الكرب ودهمهم الخطب، ليدعوه فيأخذ بناصرهم ويريد عنهم الكرب الذي دهم، والخطب الذي اقتحم. وأية فضيلة في قائمة فضائل البشر أعلى قيمة في التلبية التي لباها طرفه؟ وأي خلق إنساني أمتن من هذه السرعة في البادرة لنصرف المستنصر وغياث المستغيث؟
وإن أدع للجلي أكن من حماتها ... وإن يأتك الأعداء بالجهد أجهد
وإن يقذفوا بالقذع عرضك أسقهم ... بكأس حياض الموت قبل الّهدد
ثم ألا تنتظر إلى هذين البيتين الذين يصوران لك نفسا قوية ولكنها متسامحة، والتسامح ضرب من القوة أيضا. هذه نفس طرفة الذي خاصمه ابن عمه وعاداه ولم يترك في معاداته طريقا إلا سلكها، ولكن طرفة ينسى كل هذه المعاداة ويتسامح مع ابن عمه، ولا يقف عند حد التسامح السلبي بل يعدوه إلى المناصرة بالسيف إذا اعتدى على ابن عمه المعتدون. والويل كل الويل لهؤلاء المعتدين إذا قذفوا عرض ابن عمه الذي يعتبره عرضه، وهو في الحقيقة كذلك. وتراه يسوق كل هذه الفضائل نحو ابن عمه على متن هذه الكاف الخطابية التي جعلها بهذه العواطف النبيلة تشع نورا وجمالا.
ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه ... يهدم، ومن لا يظلم الناس يظلم
ألست ترى الحياة كلها محمولة على يدي هذا البيت من الشعر الذي تركه زهير ميراثا للعلم والأدب والفلسفة والاجتماع والسياسة. وهل الحياة غير هذا القتال المسلح ذودا عن موارد الحياة ومناهلها؟ وإذا أنت لم تحمل السلاح ولم تقاتل ولم تدفع هذه الأيدي المتطاولة إلى وطنك فماذا يكون المصير؟ أليس مصيرك أن تقع في أيدي الظلم والاستبعاد؟ وهل تستقر نفسك على هذا المصير؟ إذا كان لا بد من الظلم في هذه الحياة فكن أنت الظالم لا المظلوم.
أنا إذا التقت المجامع لم يزل ... فينا لزاز عظيمة جشامها
خذ الثقة بالنفس والشعور بالقوة رغم كل ما يوهم الضعف والخور. فلبيد، يؤكد للناس أجمعين أن قومه لم يفقدوا قوتهم ولم يزايروا قدرتهم على القتال ولا يزال فيهم من بتجشم