للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

العظائم في الأيام التي تفوح فيها رائحة الموت شهية في سبيل المجد والفخار.

إذا ما الملك سام الناس خسفاً ... أبينا أن نقر الذل فينا

إذا اطمأن الناس للظلم حرصا على طعامهم وشرابهم وراحت أجسامهم رأيت هؤلاء الناس أفرادا وجماعات تتلظى نفوسهم آلما من وقع الخسف، وتتحول هممهم قذائف من نار وحديد لدفع هذا الخسف الذي رضى به غيرهم من عبيد الشهوات. وهل هذا البيت الذي قذف به عمرو ابن كلثوم إلا القاعدة المثلى للتمرد على الظلم؟ وهل هو إلا الطريق الواضح للانقلابات السياسية والاجتماعية في تاريخ البشر.

اثني علي بما علمت فإنني ... سهل معاشرتي إذا لم أظلم

فإذا ظلمت فإن ظلمي باسل ... مر مذاقته كطعم العلقم

هذه القطعة من معلقة فارس بني عبس، تعطينا صورة جميلة لما انطوت عليه نفس الشاعر البطل من رقة مؤنسة، ولطف مغر بالمعاشرة يستوجب ثناء المحبين والعشراء، حتى يظلم. فإذا ظلم فهناك ننقلب الحال وتتبدل الأرض غير الأرض والسماء غير السماء. تنقلب الرجل الرقيق الهادي أسدا مزمجرا يقاتل دفاعا عن نفسه وذيادا عن حريته وكرامته. ويظل يقاتل حتى يدفع الظلم ويرد الأذى.

ما جزعنا عند العجاجة إذ ولوا ... شلالا وإذ تلظى الصلاء

فريقان من الأبطال يتساقيان كؤوس الموت شهيا في سبيل النصر العزيز، حتى لاح جبين النصر مشرقا لقوم اليشكري إذ ولى خصومهم فرارا من لظى الحرب المتقدة. وإنك لترى ابتسامة الإيمان بالنصر تلمع في صدر هذا البيت من الشعر كما كان الإيمان بالنصر يشرق في صدور أولئك الأبطال الذين فازوا بالنصر على أقرانهم في ذلك الموقف الذي ما كان فيه للشجاع غير النصر أو الموت.

حمدي الحسيني

<<  <  ج:
ص:  >  >>