بحسب الزعيم حسابه دائما في التعامل مع الناس. والقائد الحقيقي يتوقع أن يصادف هذا دائما، ويتهيأ للصبر عليه ما دام نوعا عاديا من الغباء، وهو يعلم أن أفكاره ستنضر، وأن أوامره ستنفذ في غير عناية، كما يعلم أن الحسد يقع بين مساعديه. إنه يدخل هذه الظاهرات كلها في حسابه، وبدل أن يحاول إيجاد رجال لا يخطئون (وهؤلاء غير موجودين) فإنه يجهد نفسه في الاستفادة من أحسن الرجال الذين يحيطون به ليستفيد منهم على علاتهم، لا كما يجب أن يكونوا.
وهناك نوع آخر من الصبر، وهو المثابرة. فإذا انتهى الزعيم إلى غرض وحققه فإنه لا يتصور أن أمور بلاده قد استقامت إلى الأبد، لأنه لا يستقيم شيء في هذا العالم استقامة لا مغير لها. ولقد قال نابليون (إن أشد اللحظات خطرا هي لحظات النصر) فالحديقة المنسقة تنمو فيها الإعشاب إذا ما أهملت بعض الوقت، والبلاد الغنية القوية لا تتعرض بضع سنوات لسوء النظام إلا سقطت في أيدي شر أبنائها وعدا عليها جيرانها. والزعيم يعرف أن جهوده لا تؤتي ثمرات باقية، وأن هذه الجهود يجب أن تتجدد كل صباح.
والحزام فضيلة أخرى لها ذات قيمة. ولقد قال (ريشليو)(إن الكتمان روح الأعمال الوطنية) وأضاع شارل الأول ملك إنكلترا عرشه لأنه أضاع الحزم. فسوء التدبير أوقعه في أن يطلع زوجته الفاتنة على خطة ينتويها إزاء عدد من نواب البرلمان، فأطلعت إحدى وصيفاتها الوثوقات على ما سيقع فلم تضع الوصيفة وقتا في أبطال هذا إلى بعض أصدقائها الذين سارعوا فأوصلوا الخبر إلى النواب المهددين. فلما حان الوقت لتنفيذ الخطة الواسعة، وجد الملك أن فريسته قد ولت وأن الناس يحملون السلاح ضده. والمغزى من ذلك أن لا تعلن شيئا إلا إذا كان ضروريا، وللرجل الذي يجب أن تعلن إليه الخبر، وفي الوقت المناسب لذلك فقط.
كتب (ديجول)(لاشيء يمكن للسلطة كالصمت) فالكلام يغمر الفكر ويفقد المرء شجاعته. إنه بالاختصار يضيع التركيز اللازم. ولن يكن إنسان في هدوء (بونابرت) ولقد اتبع الجيش الكبير خطواته. وكتب (فيني)(عرفت ضباطاً أشتملوا على الصمت، فلم يقولوا كلمة ألا إذا أصدروا أمرا). ولقد عرف (الرئيس كولدج) حق المعرفة أن الصمت ينفعه، فأتخذ هذه الصنعة مبدأ له في الوصول إلى أهدافه وفي تكوين فكرة خرافية عن نفسه.