وكان (لويس الرابع عشر) ذا خلق رصين يبعث الخوف والاحترام في الناس، ويمنع حتى المقربين إليه ممن أعجب بهم من أن يتصرفوا معه بحرية حتى في الأمور الخاصة. ولا ريب أنه من الصعب جدا على زعيم أن يجد التوازن بين التحفظ والهدوء اللازمين له في عمله والحب المطلوب من إزاء الذين يعملون معه، ولكن مما لا ريب فيه أن هذه العقبة تزول بسهولة عندما يعمل الزعيم الحذر اللازم واللباقة المطلوبة من رجل خلق للقيام بأعباء الأعمال العظيمة مضاف إلى هذه الصفات شجاعة القائد وصحته، فإن الصحة الجيدة تزيد الزعيم قوة، وهذه تمكنه من الصبر والجد والإرادة الماضية. ومن الصفات التي كان يتمتع بها (المارشال جوفر) شهيته للطعام وقوته على النوم. وإلى هاتين الصفتين نعزو كسبنا لمعركة (المارن) لأن التوازن الصحي العضوي يشحذ قوي الدماغ (إن الهدوء هو أعظم الصفات التي يجب أن يتصف بها الرجل الذي قدر له أن يحكم) ويذكرنا هذا بما كان يصنعه (جاليني) بعد أن يصدر الأوامر في ساحة القتال، فإنه كان يتناول كتابا فيقرأ وكان (ليوتي) وهو ضابط صغير دهشا من هذا السلوك ولكن (جاليني) كان يجيبه (لقد قمت بكل ما أستطيع، والآن أنتظر ما يحدث، وفيما أنا أنتظر أستطيع التفكير في شيء آخر). ولقد كانت هذه طريقة حسنة لتهدئة خواطره، والتمكن من موقفه. إن الذين تثقلهم أعباء أعمالهم فلا يستطيعون أن ينحوا وساوسهم جانبا ليفكروا فيها بعد، إنما هم أناس لا قيمة لهم.
إن الأخلاق في الدرجة الأولى من الأهمية، لكن الذكاء لا بد منه على كل حال. ومن المستحسن أن يكون القائد واسع الاطلاع. وتزيد دراسة التاريخ والشعر من علمه بعواطف الناس. وإن الثقافة لترد المرء بين آونة وأخرى إلى الرصانة اللازمة، وهي تتيح له فرصا تطلعه على نماذج من النظام والوضوح في الأشياء. وإن قيادة جيش والنهوض بأمة لعمل فيه ولا ريب معنى فني. فالرجل الذي يكتسب حس الجمال مما يقرأ ويطالع يكون أكثر نجاحا في المهمة التي ينهض لها.
ولقد كتب (المارشال فوش) فقال إذا كانت قيمة الدراسات العلمية هي تدريب العقل على أدراك القوانين والأبعاد المادية فإن الأدب والفلسفة والتاريخ تولد الفكر القادر على فهم العالم الحي. وبهذا يشحذ الذكاء ويتسع أفقه ويظل دائم الحيوية والإنتاج عند التفكير في