للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهنا ثار الشاب الإيراني واحمر وجهه وقال لم تحملوا إلينا شيئا. . . فأسرعت قائلا لأتمم كلام زميلي الإيراني.

الحرية!! كلمة ناديتم بها ولكن للأسف لم نحسها نحن معشر الشرقيين إلا عبودية منكم لنا فكانت دعوتكم منطقا معكوسا. . . ولم يسمح لي (الجرس الكهربائي) أن أتم كلامي إيذانا ببدء المحاضرة وهبا قالت السيدة الفرنسية ونحن نتأهب للقيام لقد كانت الحضارة القديمة في مصر وفارس وهي اليوم في أوربا وربما عادت إلى الشرق مرة أخرى فتلك دورة الزمن! وعندئذ وجدتني أرتل قوله تعالى: وتلك الأيام نداولها بين الناس. . .

(باريس)

سالم عزام

أعذب الشعر أكذبه!

أورد الأستاذ الأديب عبد القادر رشيد الناصري في مقاله الطريف (الدخان في الشعر) هذه الكلمة الموروثة (أعذب الشعر أكذبه) مستدلا بها على كذب المرحوم الشاعر معروف الرصافي حين يذم الخمر، وهو الذي كان لا تفارق الكأس شفتيه وكان كما قال أستاذنا الكبير الزيات: همه من الحياة شرب العرق ولعب الورق واستباحة الجمال)!

وإيراد تلك الكلمة الموروثة على هذا الوجه في ذلك المقام تحريف لها عن معناها الأدبي الرفيع! ولقد أعجبني تحليل أستاذ العربية المرحوم مصطفى صادق الرافعي لها؛ إذ جاء في كتابه القيم وحي القلم جـ٣ ما نصه:

(ولعلماء الأدب العربي كلمة ما أراهم فهموها على حقها، ولا نفذوا إلى سرها! قالوا: أعذب الشعر أكذبه؛ يعنون أن قوام الشعر المبالغة والخيال، ولا ينفذون إلى ما وراء ذلك؛ وما وراء إلا الحقيقة رائعة بصدقها وجلالها! وفلسفة ذلك أن الطبيعة كلها على الحواس الإنسانية؛ وأن أبصارنا وأسماعنا وحواسنا هي عمل شعري في الحقيقة، إذ تنقل الشيء على غير ما هو في نفسه، ليكون شيئا في نفوسنا؛ فيؤثر فيها أثره جمالا وقبحا وما بينهما!

وما هي خمرة الشعر مثلا؟ هي رضاب الحبيبة؛ ولكن العاشق لو رأى هذا الرضاب تحت المجهر لرأى. . . لرأى مستنقعا صغيرا. . . ولو كان هذا المجهر أضعاف الأضعاف مما

<<  <  ج:
ص:  >  >>