فسعة الصدر لدى الجماعة الدينية في منقاشه المتشككين والمدعين ضرورية للتكافل الاجتماعي الذي هو من خصائص وظيفة تلك الجماعة. فتاريخ نمو الوعي الديني كتاريخ نمو الوعي السياسي والاقتصادي كان وليد النقاش والجدل والشك والإقناع وإلا فالجمود صفة تلازم الجماعة التي لا تناقش ولا تجادل ولا تنفع المتشكك الثائر.
ومناقشة الجماعة الدينية في وظيفتها الاجتماعية ونهوض تلك الجماعة للدفاع والإقناع وسيلة من وسائل تنشيط الفكر، وتهيئ تلك الجماعة لمواجهة التيارات المستجدة في التفكير والسلوك. فالتطور الفكري غريزة فوق أنه ظاهرة تستمد وجودها من طبيعة الأشياء. فإذا تسلحت تلك الجماعة بسلاح العصر استطاعت أن تكشف في وظيفتها الاجتماعية نواحي جديدة لم يفطن إليها السلف فتزيد بذلك من مكانها في النظام الاجتماعي وتعزز كيانها فتزيد من سلطتها الروحية رسوخاً وقوة فالمشكلة إذن ليست في ميلاد الشك والثورة الفكرية وإنما في مبلغ استعداد الجماعة الدينية للتعرف على حقيقة وظيفتها على ضوء العلم والمعرفة المستمدة من روح العصر.
ويجب أن لا يساء الفهم في تحديد معنى الجماعة الدينية ووظيفتها فالجماعة الدينية لا تعنى أئمة الرأي وحفظة الدين والنخبة الممتازة التي تتخصص في تدريس الدعوة ونشرها بين الناس والقيام على إحياء شعائرها. فقد عرف (هولت) الجماعة الدينية بأن يكون لها (تاريخ خاص وكيان اجتماعي وخصائص خاصة وسلوك وأهداف وغايات خاصة وقد يفهم من هذا أن مفهوم الجماعة ينطبق على جميع المؤمنين الذين يعتنقون العقيدة ويؤمنون بها. وهذا تعريف صحيح؛ ولكن علم الاجتماع وإن كان علم الاجتماع وإن كان يؤمن بصدق هذا التعرف وصوابه يصر على (أن الظاهرة الاجتماعية في العبادات والسلوك الديني مدينة إلى جهود الخاصة من حفظة الدين والمتبحرين في اختباره ودراسته وصيانته تعاليمه من سوء الاجتهاد والتحوير
وهذا يعني أن عبء وظيفته الدين في تحقيق المشاكل الاجتماعية يقع جزء كبير منه على الخاصة من أهل العلم والاجتهاد والأئمة.
فالتحريف في الطقوس والعبادات يعني تحريفاً في أوجه التكامل الاجتماعي الذي يكون للدين ضلع كبير في توطيده وتحقيقه وكلما تعقدت الطقوس وأنواع العبادات ازدادت