ميمون نشأت من أخذهم فلسفة أرسطو بصورة غير مباشرة ولم يتهيأ لهم أن يقتبسوها من معينها الأصيل ذلك لأنهم أخذوها من شروح الفارابي وابن سينا ولآخرين. وإذن فإن هذا الفيلسوف اليهودي يرى أن الفارابي وتلميذه ابن سينا لم يفهما أرسطو على حقيقته. وهذه دعوى نظنه انفرد بها ولم يشاركه فيها أحد من البشر وقد تجشمها لأجل تقريب إمكان التوفيق بين اليهود وتعاليم أرسطو ساعيا ليجعل الصعوبة التي وجدها محاولوا ذلك التوفيق ويرجعها إلى أن الفلسفة التي بأيديهم المنسوبة لأرسطو مشوهة وممسوخة أما فلسفة ارسطو الحقيقية فإنها لا تتعارض مع اليهودية ليت شعري ما الذي حمله على كل هذا التمحل والتكلف؟ ومن قال له إن كل ما قاله أرسطو حق مستقيم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وأظن هذا اليهودي التائه لو بعث اليوم من مرقده ورأى كيف أن الفلسفة العصرية هدمت هياكل فلسفة أرسطو وإخوانه من اليونان لسخر من أتعابه وجهوده في تقويم المعوج في العصور الوسطى، ولا بأس أن نشرح كلمة مرت عليك قبل أسطر هي فقد شرحها لنا قاموس إذ قال إن منسوب إلى أي موسى بن ميمون الذي عاش (١١٣٥ - ١٢٠٤م) وكان من أعظم فلاسفة اليهود في القرون الوسطى، وكانت مدرسته تتوخى الجمع والتوفيق بين فلسفة أرسطو والتعاليم اليهودية.
أقول وهذا نظير ما سعى إليه (إخوان الصفاء وخلان الوفاء) من الجمع بين الإسلام والفلسفة اليونانية وكل ذلك ناشئ من إكبار فلاسفة العصور الوسطى لفلاسفة اليونان فأخذ كل فريق يؤيد بالتوفيق بينه وبين فلسفة اليونان، ظنا منهم أن الذي يتفق مع أرسطو الذي كان نابغة خالدة يضمن له الرسوخ والثبات ولماذا؟ وقد جاء وفق ما اهتدت أليه العباقرة من اليونان أو أن هذه المساعي كانت ضرورة ملحة استجابة لتبلبل الأفكار حيث اصطدمت في نفوسهم عقيدتان فلابد من التأليف بين ما أختلف منهما؟ وإلا فإن اصطدامهما يودي بإحداهما. غير أن طائفة من المتزمتين ثاروا في وجه الفلسفة وحرموها وقاوموها وأعلنوا بطلانها وسفهوا أحلام الفلاسفة وظنوا أنهم استراحوا فكانت النتيجة أن بقوا سخرية الأجيال المتعاقبة وفي طليعة هؤلاء أبن تيمية وابن قيم الجوزية وابن الصلاح. والذي يهم موضوعنا اليوم مما تقدم أن هذا اليهودي العنيد يرى أن الفارابي شارح أرسطو قد خلط وخبط ولم يهتد إلى سواء السبيل ولم يفهم حقيقة فلسفة أرسطو. ولنتركه واعتقاده ونعرض