والمترقب أن لا ينجو أبو نصر من حملات الغزالي على الفلسفة وأقطبها، وإن المسيحيين الذين خاصموا الفلسفة أجمالاً قد أستعانو بخصوم الفلسفة نمنن المسلمين فموقف الغزالي العقلي والديني قد راق علماء المسيحيين منذ الحظه التي تيسر لهم فيها الإطلاع على كتبه ولا يزالون مهتمين بدراسة أبحاثه والعناية بها والمعروف أن الغزالي قد هاجم الفلسفة وذهب في هجومه عليها إلى تكفير أهلها، من أفلاطون وأرسطو إلى الفارابي وابن سينا وقد مهد لدراستها بكتابه (مقاصد الفلاسفة) ثم حمل عليها في كتابه (تهافت الفلاسفة) وسرعان ما راج كتابه الثاني عند خصوم الفلسفة من المسيحيين فنلاحظ أن (ريموند مارتن، الذي يحتمل أن لا يكون لعلمه بمؤلفي العرب نظير في أوربا بأسرها حتى العصور الحديثة - فيما يقول جيوم - قد نهض بعد ممات القديس (توما) بمقابلة فلاسفة الإسلام وعلمائه، واستجاب لمطلب (بنافورـ رئيس هيئة الدومنيكيين في وضع كتابه (الدفاع عن الأيمان) وأدخل فيه الكثير من آراء الغزالي ومنذ ذلك الحين أفاد الكثيرون من علماء المسيحية من آراء الغزالي، وانتفع القديس (توما) الذي عاصر (مارتن) برسالة في (الاقتصاد في الاعتقاد) في وضع كتابه المعروف (الخلاصة الفلسفية في الرد على الأمم غير المسيحية) الذي وضعه استجابة لطلب رئيس هيئة الدومنكين السالف الذكر. وأوجه الشبه بين آراء توما والغزالي كثيرة
ونلاحظ أن الغزالي كان ويلا على الفلسفة عند اليهود والمسيحيين على السواء وكان له الأثر الهدام في فلسفة العالم الإسلامي وكان أثر كتابه (تهافت الفلاسفة) عند هؤلاء جميعا أعمق - فيما يلوح - من أثر (تهافت التهافت) الذي فند فيه ابن رشد موقف الغزالي من الفلسفة. وقد قسم الغزالي الفلاسفة في كتابه (المنقذ من الضلال) إلى ثلاثة أصناف: دهرين وهم الزنادقة لأنهم جحدوا الصانع المدبر العالم القادر وزعموا أن العالم لم يزل موجود بنفسه. . . ثم طبيعيين وهم الذين سلموا بوجود قادر حطكم مطلع على غايات الأمور ومقاصدها ولكنهم أنكروا معاد النفس وجحدوا الآخرة والحساب فلم يبق عندهم للطاعة ثواب ولا للمعصية عقاب، وهؤلاء زنادقة. ثم الإلهيين وهم المتأخرون منهم كسقراط وأفلاطون وأرسطوا وقد هاجموا الدهرية والطبيعيين ولكنهم استبقوا من رذائل كفرهم بقايا فوجب تكفيرهم وتكفير متبيعهم من متفلسفة الإسلاميين كابن سينا والفارابي وأمثالهما.