للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فرأى البصرة تلهب بنيران الحرب القائمة بين قوات ابن الزبير والخوارج، ورأى أن الخوارج قد تفوقوا على قوات الخلافة تفوقا ألقى الرعب في قلوب أهل البلاد.

ولكن ما شأن المهلب في هذا الأمر وهو سائر في طريقه إلى خراسان ليكون والياً؟ إذاً عليه أن يترك هذه النار المشتعلة تلتهم أكباد المسلمين ويمضي إلى عمله.

هذه خطة صحيحة لو كان صاحب هذه الخطة غير المهلب أما وهو المهلب صاحب البصرة وسيد العراق فلابد له من البقاء بجانب بلده وقرب أهله ليحمي حماهم من الخوارج فنقضهم من فتك أولئك الشجعان الذين لعبت العقيدة في نفوسهم فخلقت منهم أبطالا في الحروب لا يهابون الموت ولا يخشون الردى.

أليس البطل في نظر قومه مدخرة يستعينون بها على الشدائد في الأيام الحالكة؟ وأية شدة أدعي لاستنجاد قوات المسلمين بالمهلب من هذه الشدة المدمرة التي تكاد تطبق على المسلمين بسيوف الخوارج؟ إذا لا والله ما لهذا إلا المهلب فخرج أشراف الناس فكلموه ليتولى قتال الخوارج فقال لا أفعل.

هذا عهد أمير المؤمنين معي على خراسان فلم أكن أدع عهده وأمره. رفض المهلب أن يجيب الناس إلى طلبهم في قتال الخوارج لأن المهلب رجل نظام وطاعة، فلم يشأ أن يخرج عن قاعدته في النظام وعن عادته في الطاعة، وهو رجل عسكري والنظام والطاعة قوام الحياة العسكرية. إذا لابد من أمر يصدره الخليفة للمهلب يلغي عهد خراسان ويثبت قيادة الجيوش لمحاربة الخوارج. ولكن أين أبن الزبيب الآن من المهلب وكيف يحتمل الصبر تدور المخابرات الرسمية دورتها وهؤلاء الخوارج على الأبواب لا يبلعون الناس ريقهم ولا يدعوهم يهدأ روعهم من الفزع. إذا لابد من الحيلة والحيلة في مثل هذه المأزق مستحبة. . فرأى قائد قوات ابن الزبير مع أهل البصرة أن يكتبوا على لسان ابن الزبير كتابا يأمره فيه بمقاتلة الخوارج ويعده بعد النصر بالولاية على خراسان فأخذ المهلب الكتاب بنفس راضية مطمئنة ونهض للأمر العظيم. والغريب في أمر هذا البطل أنه كان فوق الأحزاب في ذلك الزمن القائم على الحزبية العنيفة مما يدل دلالة واضحة على أنه كان جندياً مسلماً قد وقف حياته على المصلحة الإسلامية العامة ورصد بطولته على مجد الإسلام وعزته وكرامته. لا يعنيه من يكون الخليفة ولا يكون سواء عنده أكان الخليفة

<<  <  ج:
ص:  >  >>