منه قد جاء مطابقا لحقيقة ما نطق النبي به - لفظا ومعنى - أو كان مخالفا له؟ وما هي العوامل التي تدسست إليه من أعدائه، والمؤثرات التي أصابته من أهواء أوليائه، حتى رشيت بما ليس منه، وتسرب إليه ما هو غريب عنه! ثم في أي زمن أبتدأ تدوينه؟ وهل اتخذ ما دونوه - في أول الأمر - طورا واحدا لم يتغير على مر العصور، أو تقلب في أطوار متعددة! وفي أية صورة خرج أخيرا للناس في كتبه المعتمدة، وماذا كان موقف علماء الأمة منه، وما مبلغ ثقتهم به، ومدى اختلافهم فيه! بعد أن عراه ما عراه، وتأثر بما تأثر به؟ وما إلى ذلك من الأمور المهمة التي يجب أن يعرفها كل مسلم أو باحث قبل النظر فيه، والأخذ بما تؤدي إليه ألفاظه ومعانيه
أما هذا كله وغيره مما يتصل بحياة الحديث وتاريخه فقد انصرف عنه العلماء والباحثون، وتركوه أخبارا في بطون الكتب مبعثرة، وأقوالا بين ضمائر الأسفار مستنسرة، لا يضم نشرها كتاب، ولا يعنى بتصنيفها باحث.
نهي النبي عن كتابة حديثه وعمل الصحابة بذلك:
كان رسول الله صلوات الله عليه مبينا ومفسرا للقرآن بفعله وقوله، ولكن أقواله في هذا البيان أو في غيره لم تحفظ بالتدوين كما حفظ القرآن، وقد تضافرت الأدلة النقلية الوثيقة، وتواتر العمل الصحيح على أن أحاديث الرسول (ص) لم تكتب في عهده كما كان يكتب القرآن، ولا كان لها كتاب يقيدونها عند سماعها والتلفظ بها كما كان للقرآن كتاب معروفون يقيدون آياته عند نزولها، بل جاءت أحاديث صحيحة وأثار ثابتة تنهى كلها عن كتابة أحاديثه صلوات الله عليه إذا أوردناها كلها طال بنا القول فلنجتزئ يذكر ذرو قليل منها:
روى مسلم وأحمد وغيرهما عن أبي سعيد الخدري قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لا تكتبوا عني شيئاً سوى القرآن فمن كتب عني غير القرآن فليمحه)
وأخرج الدارمي عن أبي سعيد كذلك: أنهم استأذنوا النبي (ص) في أن يكتبوا عنه فلم يأذن لهم
وروى الترمذي عن أبي سعيد قال: استأذنا النبي في الكتابة فلم يأذن لنا.
وعن أبي وهب قال: سمعت مالكا يحدث أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب الأحاديث أو