جامع هراة ومعظم أهلها كرامية، والكرامية إحدى الفرق الإسلامية. ويذكر المقريزي أنها أتباع محمد بن كرام (بتشديد الراء) السجستاني وكلهم مجسمة زعموا (أن الله جسم وله نهاية من جهة الأسفل الخ) قال تقي الدين المقريزي وأن أهل هراة أجمعوا على مناظرة الرازي وتجمعوا عند غياث الدين محمد معه وكبيرهم القاضي مجد الدين عبد المجيد بن عمر بن القدوة فتكلم الإمام فخر الدين مع ابن القدوة واستطال عليه وبالغ في شتمه وهو لا يزيد على أن يقول (لا يفعل مولانا. لا آخذك الله؛ استغفر الله) فغضب الملك ضياء الدين له وهو ابن عم الملك غياث الدين وكان أشد الناس كراهة للفخر الرازي ونسب الإمام الرازي إلى الزندقة ومذهب الفلاسفة وقام من الغد الخطيب بالجامع وقال في خطبته (ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين. أيها الناس أنا لا نقول إلا ما صح عندنا عن رسول الله، وأما علم أرسطو وكفريات ابن سينا وفلسفة الفارابي فلا نعلمها فلأي شيء يشتم بالأمس شيخ من شيوخ. الإسلام يذب عن دين الله وسنة نبيه؟ وبكى وأبكى فثار الناس من كل جانب وامتلأت البلد فتنة فسكتهم السلطان غياث الدين وتقدم إلى الإمام فخر الدين بالعود إلى هراة فخرج إليها ثم فارق غياث الدين ملك الغورية مذهب الكرامية وتقلد الشافعي رحمة الله)
وهذه القصة توضح لنا كيف أن اسم فلسفة الفارابي كان مقرونا بالإلحاد والخروج على قواعد الإسلام في دنيا المسلمين وهذه من نتائج حملات الرجعيين الشنيعة على الفلسفة وأقطابها، فهذا طاش كبرى زاده المتوفي عام ٩٦٢هـ (١٥٥٤) يقول في مفتاح السعادة ومصباح السيادة (كما نقل عنه صاحب كتاب قصت النزاع بين الدين والفلسفة): وإياك أن تضن أن الحكمة المموهة التي اخترعها الفارابي وابن سينا ونقحها نصير الدين الطوسي - ممدوحة، هيهات هيهات، إن ما خالف الشرع فهو مذموم سيما طائفة سموا أنفسهم حكماء الإسلام عكفوا على دراسة ترهات أهل الضلال وسموها الحكمة وربما استهجنوا من عرى منها. . . قيل فيهم
وما انتسبوا إلى الإسلام إلا ... لصون دمائهم عن أن تسالا
فيأتون المناكر في نشاط ... ويأتون الصلات وهم كسالى