وأقول إن ما أورده ابن العماد الحنبلي هذا لا يمثل وجهة نظر عامة المسلمين وإنما هو مما تحجرت عليه أدمغة الحنابلة والرجعيين والجامدين فلا يتخذن أعداء الإسلام من هذا الهذيان منفذا للطعن فيه بأنه دين يكره التفكير الحر والمنطق ورحم الله الإمام محمد عبده فقد كفانا في جولاته وصولاته مع من حاول ذلك الطعن في الإسلام من أمثال فرح أنطون صاحب كتاب (ابن رشد وفلسفته) الذي جمع فيه مقالاته التي طعن فيها الإسلام بضيق صدره بالفلسفة وقد نشرها في صحيفة (الجامعة) ورد عليه الإمام المذكور في كتابه (العلم والمدنية في الإسلام والنصرانية) وحين ذكر الفارابي - ابن كثير المتوفى سنة ٧٧٤ هـ في كتابه (البداية والنهاية) لم ينس أن يطعن في عقيدته فقال: الفارابي التركي الفيلسوف كان حاذقا في الفلسفة ومن كتبه تفقه ابن سينا. وكان يقول بالمعاد الروحاني لا الجثماني ويخصص بالمعاد الأرواح العالمة لا الجاهلة، وله مذاهب في ذلك يخالف بها المسلمين والفلاسفة من سلفه الأقدمين فعليه إن كان مات على ذلك لعنة رب العالمين. مات بدمشق فيما قال ابن الأثير في كامله (ولم أر الحافظ ابن عساكر ذكره في تاريخه لنتنه وقباحته فالله أعلم. . .) ويقصد بهذا الشتم القبيح من شاد صرح الفلسفة الإسلامية المعلم الثاني ابن نصر الفارابي فتأمل. . .
والحق أن هذه الهجمات العنيفة من خصوم الفلسفة قد آذت الفارابي وشوهت سمعته في العالم الإسلامي فصارت أبحاثه رمزا للانحراف عن الإسلام وزيغان العقيدة كما توضح لك ذلك القصة التالية: جاء في كتاب (السلوك لمعرفة دول الملوك) لتقي الدين أحمد بن علي المقريزي: أنه في سنة ٥٩٥هـ عظمت الفتنة في عسكر غياث الدين محمد ملك الغورية وكانت بلاد الغور تقع بأفغانستان بين هراة وغزنة وكانت مملكة إسلامية مستقلة بشؤونها منذ أوائل القرن الخامس الهجري ثم فتحها محمود الغزنوي سنة ٤١١هـ واستمرت تابعة للدولة الغزنوية وصاهر ملوكها سلاطينهم حتى سنة ٥٣٦هـ حيث قضى التركمان على الدولتين الغزنوية والغورية معا ثم جاء غيث الدين بن بسام فأسس ملكا جديدا على أنقاض الدولتين سنة ٥٦٩هـ. . . وكان سبب هذه الفتنة أن الإمام فخر الدين محمد ابن عمر الرازي الفقيه الشافعي المشهور كان قد بالغ غياث الدين في إكرامه وبنى له مدرسة بقرب