وتكاد دور النشر لا تتهيأ لهذا؛ فالناس تجر راغبون في الغم والناشر غير راغب في أن يجوع ويعرى، وفي التوفيق بين الرغبتين ما يسيء إلى تلك الصناعة ويعوقها عن المضي قدماً في السبيل المستقيم.
وبيننا جلة من العلماء مهروا في النشر وحذقوه يعوزهم التمكين والتشجيع ليرزقوا الصبر والأناة، وعندنا دار للكتب في وسعها أن تمكن، كما عندنا دار لإحياء التراث في وسعها أن تشجع لو أوتي قانونها سعة توفر لها مالا تعوض به هؤلاء لعلماء؛ ثم بعد هذا نحن في حاجة إلى تنظيم تلك الأداة وتوجيهها في حاجة إلى أن نلتفت إلى ذلك الماضي بتراثه الذي لا يزال كثره مخطوطا لا ينتفع إلا بقلة، فنرى في نشره رأيا سليما مرسوما، في حاجة أن ننشئ مع العلماء ناشئة، فالقدر يختطف منهم ولا تجد من يخلفهم، في حاجة إلى هذا وغيره إذا كنا نؤمن أنا مفيدون من هذا التراث وأنا لا بد متولون نشره ومشاركون فيه.
ذكرت بالأمس القريب شيئا من هذا لكبير علينا فسبقني إلى ما أردت أن أنتهي إليه وقال في عاطفة الموطن الموقن: إن الآمال معقودة بأستاذ الجيل معالي الدكتور طه حسين باشا، فعلى يديه سيمكن الله للنشر وإليه تتجه كل نهضة علمية داعية راجية
وأعود إلى هذا الجهد المشكور الذي بذله الدكتور سامي الدهان في زبدة الحلب فإني أعرفه صبورا ذا أناة قد خص هذا العمل بالوقت الذي يتسع لمثله، وأعرف له زوراته المختلفة للمكتبات في البحث عن النسخ المختلفة المتنوعة، وأعرف له صلته القديمة بالنشر؛ ولا زلنا نذكر له أبا فراس، والوأواء، والسياسة تلك الكتب الثلاثة التي عرفتنا به ناشرا محققا.
وما اجتمعت الاشراط على مشروط إلا ضمن السلامة وأمن الزلل. وإنك حين تنظر في كتابه الجديد (الزبدة) تعجبك الدفتان وما بينهما. فله في الأول مقدمة الدارس المفيض الموفي، لم يترك مدونة لم يجمعها ولا شاردة لم يقبض عليها، فكان فيها مؤرخا كتب لنا سيرة ابن العديم جامعة شاملة. وله في الآخر إثبات تشير إلى الأعلام والبلدان والكتب، وأخير قبل فيه بين السنين الميلادية والهجرية. وله ما بين الأول والآخر متن وفق التوفيق كله في تحريره وتصويبه والتعليق عليه وإكمال نقصه من المظان التي هداته الخبرة الطويلة.
وما أحب أن أزيد فقد أعود إليه متحدثا عن أثر له آخر هو طبقات الحنابلة