استغلال مرافقها؛ ولكنه بدلا من ذلك يعد اليهود بالعودة إلى وطنهم في فلسطين؛ ذلك الوطن الذي طردوا منه منذ آلاف السنين قبل أن يولد المسيح ومحمد صلوات الله عليهما؛ وليتحقق ذلك ولو كان على حساب قوم أبرياء قد استوطنوا هذه الديار منذ آلاف السنين.
وأعجب ما في الأمر أن فلسطين كانت حتى قيام الحرب العالمية الأولى تابعة لتركيا، فلما قامت الحرب وانضمت تركيا إلى جانب الألمان عمدت إنجلترا إلى إثارة العرب ضد تركيا ووعدتهم بتحقيق استقلالهم عقب انتهاء الحرب. وقد شرب العرب من ماء النهر السام دخلت عليهم ألاعيب السياسة البريطانية فعمدوا إلى محاربة الأتراك وتحطمت الإمبراطورية العثمانية وتقاسمت فرنسا وإنجلترا ممتلكاتها، فوضعت سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي، ووضعت العراق وشرق الأردن وفلسطين تحت الانتداب الإنجليزي؛ وأما مصر فكانت الحماية البريطانية قد أعلنت عليها منذ ١٩١٤.
ومما يدعو إلى مزيد من الدهشة أن يصدر بلفور وعده حين آذنت شمس الحرب بالنهاية، وقبل أن يعقد مؤتمر للصلح ليضع الأمور في نصابها، وقبل أن يتقرر أن تكون فلسطين تحت الانتداب البريطاني!!
ومن الطريف أن أذكر ما يذاع من أن اللورد أللنبي قال حين دخل بيت المقدس ١٩١٧ (اليوم انتهت الحروب الصليبية) وأما أنا فأرى أن دخول الغربيين بيت المقدس مرة أخرى كان إيذانا ببدء حرب صليبية جديدة!!
مؤامرة
لما عقدت معاهدة الصلح المعروفة بمعاهدة سيفر ١٩٢٠ وانتدبت بريطانيا لتقوم بالأمر في فلسطين كان المفروض أن تعمل الدولة المنتدبة على تحسين حال الإقليم الذي انتدبت لإدارته حتى يصبح أهلا لتولي إدارته بنفسه، وقد قامت بريطانيا بمهمتها ولكن على طريقة يندى لها جبين الإنسانية وبشكل سوف يكون مثالا للنفاق البشري وللاثم والعدوان، فبدلا من أن تعمل على إصلاح حال عرب فلسطين عملت على إحلال اليهود في بلادهم ويسرت لهم الاستيطان بفلسطين وسمحت لهم بالهجرة إليها وبشراء الأراضي فيها، وأمدتهم بالأموال والآلات اللازمة، وظاهرها اليهود في سائر أنحاء العالم، وقد ثار العرب على بريطانيا واستفحلت ثورتهم في الفترة من ١٩٣٦ - ١٩٣٩ وهنا وجدت إنجلترا نفسها أمام