أجاب: نعم. . ثم قال فيما بعد لحمدون بن إسماعيل وهو يزوره في سجنه: إنما أراد أن يفضحني؛ إن قلت له نعم لم يقبل قولي وقال لي: تكشف فيفضحني بين الناس. والموت كان أحب إلى من أن أتكشف بين يدي الناس.
وأما ما اتهمه به المرزبان من مخاطبة قومه إياه بإله الآلهة فقد قال عن ذلك: هذه كانت عادتهم لأبي وجدي، ولي قبل أن أدخل في الإسلام. فكرهت أن أضع نفسي دونهم فتسقط علي طاعتهم.
والحق أنه لم يثبت على الأفشين إلا تهمة واحدة هي أنه كان يعد العدة لكي يهرب قبيل القبض عليه ومحاكمته. فقد عثروا في قصره على أطواف وآلات للركوب كان أعدها ليعبر عليها نهر الزاب ثم يصير - كما زعموا - إلى أرمينية فبلاد الخزر ثم إلى بلاد الترك ومنها إلى أشروسنة. . . قالوا (ثم يستميل الخزر على أهل الإسلام). ونسكت عن الجملة الأخيرة. . . وهي لم تثر أثناء محاكمته - لنقول إن نية الهرب أمر طبيعي، بل تدبير حكيم سديد، لمن كان في مثل موقفه.
ونحب أن نسجل هنا كلمة للأفشين - دون أن نناقشهاأيضاً - وهي قد تعطينا فكرة عن حقيقة شعوره قبيل القبض عليه، بل قد تبرر في نظرنا ما شغل به نفسه من نية الهرب. . .
أرسل الأفشين إلى المعتصم من سجنه، على لسان بعض زائريه، يقول في عقب كلام طويل: إنما مثلي ومثلك يا أمير المؤمنين كرجل ربى عجلا حتى أسمنه وكبر. وكان له أصحاب يشتهون أن يأكلوا من لحمه فعرضوا بذبحه فلم يجبهم. فاتفقوا جميعا على أن قالوا: لم تربي هذا الأسد، فإنه إذا كبر رجع إلى جنسه؟ فقال لهم: إنما هو عجل. فقالوا: هذا أسد. فسل من شئت. وتقدموا إلى جميع من يعرفونه وقالوا لهم: إذا سألكم عن العجل فقولوا له أنه أسد وكلما سأل إنسانا قال: هو سبع. فأمر بالعجل فذبح. وإني أنا ذلك العجل، فكيف أقدر أن أكون أسدا؟ الله الله في أمري!