ولقد كان هذا من (مصباح الشرق) الأصل الثابت لهذا اللون من النقد، أعني النقد (الكاريكاتوري) في مصر. كما كانت صحيفة المويليحيين (أبو زيد) أول ما عرف، فيما أعرف أنا، من التصوير (الكاريكاتوري) في هذه البلاد. ولعلي ألمع إلى هذه الصحيفة في بعض هذا الكلام.
لم ينته خطب (مصباح الشرق) إلى هذا الموضع فحسب؛ بل لقد كان، على أنه صحيفة لا تظهر في جميع الأسبوع إلا مرة واحدة، يروي من جلائل الأخبار في الأسباب العامة ما لا تبلغه الصحف اليومية، على شدة ارتصادها لمثل ذلك، وإذكاء عيونها الكثيرة في طلبه وتقصيه، فكانت أمهات الصحف اليومية لا تتحرج في كثير من الأحيان من نشر مهام الأخبار نقلاً عن (مصباح الشرق) الأسبوعية مضافة إليها معزوة لها. وفضل (المصباح) في هذا السبق العجيب إنما كان لجلالة محل إبراهيم بك المويلحي عند أولى الأمر كلهم، وخفة روحه، ولطف مدخله، وسعة حياته، حتى ليستخرج منهم بهذا ما لا يخرجون عنه لغيره من رواة الأخبار.
ولا أحب أن أجوز هذا الموضع من الكلام قبل أن أقول إن (المصباح) أول من جلا للناس براعة الجاحظ وعبقرية ابن الرومي بما كان يختاره لهما من بدائع المنثور وروائع المنظوم قبل أن تقع العيون من آثارهما على كتاب أو ديوان، وأول من عالج النقد الأدبي لما تنتضح به قرائح الشعراء، وأعني به ذلك النقد الرفيع الغالي، الذي جمع بين أساليب النقد في أزكى عصور العربية، وبين طرائقه التي اختطها نقدة الغربيين في هذا الزمان.
وعلى الجملة، فلقد فتح (المصباح) في الأدب العربي فتحاً جديداً، وأمسى (مصباحا) حقاً يهتدي المتأدبون بسناه إذا أرسلوا القول أو اجتمعوا لنظم الكلام. وبهذا وهذا أصبح (مصباح الشرق) أفخر مدرسة لطلب الأدب الرفيع الجزل الطريف في هذه البلاد. ومما ينبغي أن يذكر في هذا المقام أن جماعة الشعراء لقد تعاظمتهم سطوة (المصباح) في باب النقد فحسبوا له كل حساب، ويا ويل من لا يتحرى من الشعراء البارزين ما لا يبلغه الجهد كله من التدقيق والتجويد والإحسان.
وإني لا أكتفي اليوم من حديث السيد محمد المويلحي بهذا القدر على نية العودة إليه في القريب إن شاء الله.