في جدار التل، فلم أشعر إلا وقد زلقت يداي واختل توازني وأخذ جسمي يتدحرج بعنف إلى الأرض، ولكن قدرت لي السلامة، فصدمني حجر آخر منعني من الهبوط بعد أن أصبت في رأسي وركبتي إصابة بسيطة، ولما استعدت توازني انتصبت واقفا وأنا أكاد لا أصدق بالنجاة، ثم سمعت صاحبي يناديني وقد بلغ ظهر التل، فاتكأت على عصاي وأخذت طريقي إليه وفي رأسي دوار من أثر الصدمة، وعندما أدركته استرحنا قليلا وقد سرى عني بعض الغم، ثم لحظت الريح تهب من الجنوب الغربي فاستغربت ذلك وأدركت السر في وجودنا مكان يبعد عن الغابة المتحجرة الكبرى بنحو ١٢ كيلو مترا جهة الجنوب الغربي مع أن سيرنا منذ الظهر كان في اتجاه الشمال حسب ظني. فلما تغير اتجاه الريح من الشمال الغربي إلى الجنوب الغربي درنا معها في منحنى واسع من غير انتباه. فلما استرحنا قمنا متجهين نحو البساتين فبعد أن قطعنا في التل مسافة طويلة أخذنا ننحدر نحو القرية، وهنا انقشعت السحب وصفا أديم السماء وظهرت النجوم فألقيت نظرة على ما حولي ولشد ما دهشت حين وجدتنا لا نزال نسير أمام مدخل وادي دجلة قاطعين عرض المدخل من الجنوب إلى الشمال؛ فكظمت دهشتي وحيرتي وعدلت اتجاهي مرة أخرى. وعدنا فارتقينا التل مرة أخرى وبعد قليل تبين لي أيضاً أننا لا نزال نسير أمام وادي دجلة. أمر غريب محير لم أر في تعليله إلا شيئا واحدا وهو أن رأسي فقد الاتجاه! فلما صرت إلى هذه الحال أشرت على صاحبي بالجلوس للراحة، فقال ولماذا؟ فقلت له قد ضللنا الطريق مرة أخرى! فما كاد يسمع هذه الكلمة حتى خارت قواه وسقط على الأرض، وأخذت جسمه رعدة شديدة، وأقسم أنه لا يبرح مكانه، ثم استولى عليه النعاس فنام نوما عميقا، فجلست بجانبه وأخذت أفكر في الأمر وأنا حزين بائس، وقام بعقلي أن أعود إلى الوادي ملتمسا لنا ملجأ نأوي إليه حتى الصباح. بيد أني رأيت قبل تنفيذ هذه الفكرة أن أقوم بمحاولة أخيرة، فخلعت سترتي وألبستها عصاي وغرست العصا بالأرض بجانب صاحبي لتكون علما أستدل به عن مكانه عند عودتي، ثم صعدت أعلى قمة بالقرب منا مستكشفا ما حولنا، فأدرت بصري في الجهات الأربع فلمحت جهة الغرب وراء الأفق ضوءا ساطعا ظننته أول وهلة ضوء مصانع شركة الأسمنت بالمعصرة. فهرولت إلى صاحبي أزف إليه هذه البشرى فأيقظته من نومه قائلا لقد أبصرت ضوءا قويا جهة الغرب سوف يهديني