فيه، ودعوا إخوانهم من الثغور الإسلامية القريبة إلى القدوم؛ وأرسلوا في طلب العون والتأييد من حكومتي الأندلس وأفريقية؛ فوفد عليهم كثير من المغامرين البواسل، ولم تمض أعوام قلائل حتى استقروا في ذلك المكان وأنشأوا له سلسلة من المعاقل والحصون أمنعها وأشهرها حصن تطلق عليه الرواية الفرنجية المعاصرة اسم (فراكسنتم) والمظنون أنه هو المكان الذي تقوم عليه اليوم قرية (جارد فرينيه) - الواقعة في سفح جبال الألب، وما زالت ثمة آثار تدل على قيام معاقل قديمة في ذلك المكان. ولما كثر جمعهم واشتد ساعدهم، أخذوا في الإغارة على الأنحاء المجاورة، وأصبحوا قوة يخشى بأسها؛ وسعى إليهم بعض الأمراء والسادة المتنافسين يستظهرون بهم بعضهم على بعض، فلبوا الدعوة، وانتزعوا من بعض السادة أراضيهم، وأعلنوا أنفسهم سادة في الأنحاء المغلوبة؛ وبثوا الذعر والروع في جنوب بروفانس حتى وصفهم كاتب معاصر (بأن واحداً منهم يهزم ألفاً واثنين يهزمان ألفين).
وكانت هذه أول خطوة في استعمار العرب لجنوب فرنسا. وفي خاتمة القرن التاسع اتخذ المستعمرون خطوة أخرى. فتقدموا نحو جبال الألب غرباً وشمالاً. وكانت مملكة آرل قد ضعفت واضمحلت، وخلف بوسون ولده لويس، ولكنه ذهب إلى إيطاليا ليحارب إلى جانب حلفائه، فهزم هنالك وأسر، وتركت مملكته بلا دفاع؛ وساد الانحلال والفوضى في غاليس كلها. فانتهز المسلمون تلك الفرصة، واخترقوا مفاوز دوفينه، وعبروا (مون سنى) أهم ممرات الألب الفرنسية، واستولوا على دير نوفاليس الشهير الواقع في وادي (سيس) على حدود بييمون، وفر الأحبار في مختلف الأنحاء (سنة ٩٠٦م) وأغار المسلمون على القرى والضياع المجاورة ونهبوها وفتكوا بأهلها، وأسر بعضهم وأخذوا إلى (تورينو)(بإيطاليا) وسجنوا في ديرها، ولكنهم استطاعوا أن يحطموا أغلالهم، وأضرموا النار في الدير وفي المدينة، وفروا عائدين إلى زملائهم؛ واشتد بأس العرب في تلك الأنحاء، واحتلوا معظم ممرات الألب، فسيطروا بذلك على طرق المواصلة بين فرنسا وإيطاليا؛ ثم انحدروا من آكام الألب إلى سهول بييمون، وأغاروا على بعض مناطقها.
وفي سنة ٩٠٨ نزلت سرية قوية من البحارة العرب في شاطئ بروفانس على مقربة من (إيج مورت) ونهبت دير بسالمودي. وكانت الأديار والكنائس يومئذ مطمح أنظار الغزاة لما