كانت تغص به من الذخائر والأموال. وانتشر العرب بعد ذلك في جميع الأنحاء المجاورة، واجتاحوا كل ما في طريقهم من البسائط؛ وهاجموا مرسيليا وهدموا كنيستها، وغزوا ايكس، وسبوا النساء وتزوجوا بهن ليكثر نسلهم ويقووا به، وانضم إليهم كثير من النصارى المغامرين من أهل هذه الأنحاء؛ وهجر السادة والأغنياء حصونهم وقصورهم والتجئوا إلى الداخل خشية القتل أو الأسر، وأغلق العرب طريق الألب إلى إيطاليا. وكان يمر بها كل عام ألوف من الحاج الذين يقصدون إلى رومة، واقتضوا منهم الضرائب الفادحة ليسمحوا لهم بالمرور.
- ٣ -
ثم أتخذ العرب خطوة جديدة في سبيل التقدم إلى أواسط أوربا، فدفعوا غزواتهم إلى بيمون ومونفراتوا. وتقول لنا الرواية الكنسية المعاصرة إنهم وصلوا في أوائل القرن العاشر إلى حدود ليجوريا على شواطئ خليج جنوه؛ ويروي ليوتبراند وهو كاتب معاصر أن العرب غزوا سنة ٩٠٦ مدينة (آكي) من أعمال مونفراتو الشهيرة بحماماتها (وهي على مقربة من تورينو)، ثم غزوها ثانية سنة ٩٣٥ بقيادة زعيم يدعى (ساجيتوس) ولكنهم هزموا ومزقوا؛ وفي هذا الوقت أيضاً، نزلت شرذمة قوية من البحارة الأفريقيين بساحل جنوه، وقتلت عدداً كبيراً من أهلها، وأسرت جموعاً كثيرة من النساء والأطفال. وفي سنة ٩٣٩ غزا العرب منطقة (فاليه) في جنوب سويسرا، ونهبوا دير (أجون) الشهير، وغزوا في الوقت نفسه منطقة (تارانتيز) من أعمال سافوا الوسطى، ثم اتخذوا منطقة (فاليه) قاعدة للأغارة على الأراضي المجاورة في سويسرا وإيطاليا ونفذوا منها إلى أواسط سويسرا ثم إلى (جريزون) في شرق سويسرا، ونهبوا دير ديزنتي أشهر وأغنى الأديار السويسرية، ونهبوا طائفة أخرى من الأديار والكنائس الغنية. وفي بعض الروايات أيضاً أن العرب وصلوا في غزواتهم إلى بحيرة جنيف، وجازوا إلى مفاوز جورا الواقعة في شمالها. وكانت سويسره يومئذ من أقاليم مملكة بورجونيه، وملكتها يومئذ (الملكة برت) الوصية على ولدها الطفل كونراد، فارتدت حين اقتراب العرب إلى حصن ناء في جهة نيوشاتل.
وفي سنة ٩٤٠ غزا العرب فريجوس، وكانت يومئذ من أكبر وأمنع ثغور فرنسا الجنوبية؛ وغزوا أيضاً ثغر الطولون، ففر السكان إلى الجبال، وعاث العرب في تلك الأنحاء،