لذلك، ما بزغت شمس الاثنين مستهل شوال، حتى بكر كثير من أهل القاهرة في اليقظة، وأخذوا يعدون العدة لييمموا شطر القلعة، حيث تجري البيعة ويسير موكب السلطان ليمتعوا العين بمرأى هذا السلطان الجديد، وليتبينوه من هو؛ ومن يكون. . . ذلك لأنهم لم يكن لهم من أمر اختيار سلطانهم شيء. . واستبد بالأمر دونهم أمراء السلطنة الجراكسة، واستأثروا بالحكم فيهم، وقصروا على أنفسهم مسئولية اختيار السلطان. درج الشعب على هذا النظام، واستنام إليه، إن طوعا وإن كرها، تلك الحقبة الطويلة من الزمان.
وما هو إلا قليل، حتى امتلأت الطرقات بالوافدين عليها من كل حدب وصوب. واكتظت الميادين بقصادها، واختلطت الجموع بالجموع، وتراصت الصفوف خلف الصفوف، في أزياء فضفاضة، ذات أشكال متعددة، وألوان متباينة.
وأخذ النسوة والعذارى يطرقن الطرق، أو يذرعن المسالك في حللهن البهية، وأثوابهن الطلية. وتوارى بعضهن خلف الكوى والشرفات، يشرفن على الجمع من كثب، ويسترقن السمع والنظر، وتتنقل عيونهن بين الفرج، ليتمتعن كما يتمتع سائر الناس، بما ضرب من زينة عجلة، وما أشيع من حفاوة مرتجلة، أمر بإقامتها التجار والصناع وأصحاب الحوانيت وملاك المنازل وسكانها، هنا وهناك.
وبالقاهرين ومن حولهم من سكان الضواحي، شعور خفي يحفزهم إلى تعجل المسرة، واستدرار اللهو، واقتناص المتعة كلما سنحت فرصة لذلك، أو وجدوا إليه سبيلا. ولذلك عجلوا إلى تلك الزينات السريعة، ريثما يتم أمر التولية، استعدادا للقاء موكب السلطان. لعلهم بتلك المسرة المقتنصة يأسون جراح دهرهم العاسف، أو يطبون حظهم السقيم.
ومهما يكن من شيء فهم على الأقل يودعون سلطانا بادت دولته وذهبت صولته، ويستقبلون آخر أشرقت أيامه وأهلت لياليه. لعل لهم في ظله ما يحقق لهم آمالا جميلة، طالما غمرتهم أطيافها الحسناء في أحلام يقظتهم، ولم يتحقق منها أمل في العصر البائد.
على أنك ترى مرارة الحياة بادية على أحاديثهم، واضحة في محياهم، يغشيها ستار رقيق من الأمل الحالي، والرجاء المعسول. وهم ينفثونها أحيانا في نقدة لاذعة، أو يضمنونها فكاهة مرة، أو تورية بارعة.