فاشدد بهارون الخلافة إنه ... سكن لوحشتها ودار قرار
بفتى بني العباس والقمر الذي ... حفته أنجم يعرب ونزار
ثم يقول:
فاقمع شياطين النفاق بمهتد ... ترضي البرية هديه، والباري
ليسير في الآفاق سيرة رأفة ... ويسوسها بسكينة ووقار
فالصين منظوم بأندلسي إلى ... حيطان رومية فملك ذمار
ولقد علمت بأن ذلك معصم ... ما كنت تتركه بغير سوار!
ويختم أبو تمام قصيدته بهذا المقطع الذي يرتقي به إلى أعلى ذروة المديح، ويسجل لبني العباس - بل لآل هاشم جميعا - مجدي الدين والدنيا، وعزتي النبوة والخلافة، وليس فوق هذين غاية تطلب ولا مقصد يرام:
فالأرض دار (أقفزت ما لم يكن ... من هاشم رب لتلك الدار
سور القرآن الغر فيكم أنزلت ... ولكم تصاغ محاسن الأشعار
وبعد، فهذا أبو تمام (الشاعر) عرضنا في قصيدة واحدة من قصائده. ونحن نرجو أن نكون قد جلونا للقارئ صفحة من روعة فنه، وعبقرية شعره، وتجنيح خياله، وتألق ديباجته، وأريناه إياه ملحقا في سماء القريض الفذ إلى الغاية التي يقصر دونها كل شاعر.
أما أبو تمام (الحكيم)، أبو تمام المفكر الفيلسوف، فذلك إنسان تسامع به أهل الأدب جميعا - وإن كنا نشك في أنهم عرفوه حق معرفته - منذ ما أومأ إلى هذه الحقيقة أبو العلاء في عبارته المقتضبة العابرة: المتنبي وأبو تمام حكيمان، وإنما الشاعر البحتري!