ولقد تجنى صاحب (الموازنة) على أثنين من هذه الأبيات، أولهما قوله:
ثانيه في كبد السماء ولم يكن ... لاثنين ثانياً إذ هما في الغار
أورده (ولم يكن لأثنين ثان) ثم قال: كان يجب أن يقول (ثانيا) لأنه خبر يكن، واسمها هم اسم بابك مضمر فيها. فليس إلى غير النصب سبيل في البيت وإلا بطل المعنى وفسد. ونقول: إن المعنى يبطل حقا بالرفع ويفسد؛ ولكن رواية النصب هي المأثورة، وقد وردت في الديوان، ويستلزم ذلك وصل الهمزة المنقطعة في (إذ) وتلك ضرورة شعرية يبررها استقامة البيت معها إعرابا ومعنى
أما البيت الثاني فقوله:
لا يبرحون ومن رآهم خالهم ... أبداً على سفر من الأسفار
يقول الآمدي: قال بعض الأعراب يصف المصلوب، وأنشد ثعلب:
قام ولما يستعن بساقه ... آلف مثواه على فراقه
كأنما يضحك في إشراقه
أخذ أبو تمام قوله: آلف مثواه على فراقه فقال: لا يبرحون. . البيت. وهكذا يعتد الآمدي هذا البيت من سرقات أبي تمام على وجه من التكلف بغيض، يكاد يطالعنا في كل ما عقده القدماء تحت عنوان (السرقات الشعرية)
وإلى هنا يفرغ أبو تمام من المعاني التي حشد لها فكره مما يتصل بحياة الأفشين وموته؛ وهو كما يرى القارئ، وكما شهد له معاصره، كان كثير الاتكاء على نفسه، حفيا بكل معنى مبتكر، يعني باستنباطه نفسه، ويشحذ له جد ذهنه، لا يحس في ذلك كلالا ولا يستشعر وهنا؛ حتى لكأنه يأخذ نفسه دائماً بما وصف به بعض شعره حين قال:
أما المعاني فهي أبكار إذا ... نصت، ولكن القوافي عون
ولا يختم أبو تمام قصيدته قبل أن يشيد باستحسان ما أقره المعتصم من ولاية العهد لأبنه هارون (الواثق بالله) ففي ذلك جمع لشمل المسلمين، وتحر لمصلحتهم. مع قمع شياطين الفتنة، وتوطيد دعائم الحكم العادل، وضمان صيانة هذه الملك العريض أن يفرط عقد أقطاره، أو يتعطل معصمه من سواره، وفي ذلك يقول أبو تمام: