وخشب، وأنهم في امتطائهم إياها كانوا أشبه شيء بالسفر المغذين وهم مع ذلك لا ينقلون قدما أو يبرحون موضعا. وقد ذكرنا ثلاثا من هذه الأبيات أنشدت في مجلس محمد بن منصور، ونحن نعيد الأبيات هنا بجملتها، وهي ستة:
ولقد شفى الأحشاء من برحائها ... أن صار بابك جار مازيار
ثانيه في كبد السماء، ولم يكن ... لاثنين ثانيا إذ هما في الغار
وكأنما ابتدرا لكيما يطويا ... عن ناطس خبرا من الأخبار
سود اللباس كأنما نسجت لهم ... أيدي السموم مدارعا من قار
بكروا وأسروا في متون ضوامر ... قيدت لهم من مربط النجار
لا يبرحون ومن رآهم خالهم ... أبدا على سفر من الأسفار
وفي البيت الأول (ولقد شفى الأحشاء. . . الخ) إشارة إلى أولى التهم التي أخذ بها الأفشين، وهي حضه مازيار بن قارن على الخلاف في طبرستان. وفي الحق إنها كانت أخطر هذه التهم كذلك، ومن أجلها وحدها تقرر مصير الأفشين وصحت نية الخليفة على الإيقاع به. . .
ويكفي للتدليل على ذلك أن نقول إن القبض على الأفشين وقع قبل الدخول بمازيار إلى سر من رأى بيوم واحد. حكي ذلك الطبري فقال:(جلس المعتصم في دار العامة لخمس ليال خلون من ذي القعدة (٢٢٥هـ) وأمر فجمع بينه - يعني مازيار - وبين الأفشين. وقد كان قبل ذلك بيوم. .) وإذاً فلم يكون سائر ما ألصق بالأفشين من تهم - إلى جانب تحريضه مازيار - إلا نوعا من الاستقصاء، وتلمسا لما يبرر الانقلاب عليه، وإخلاء موضعه منه. أو قل إن ضعف هذه التهمة. وقد أشرنا قبل إلى اضطراب الروايات حولها - استدعي أن يضاف إليها ما يعززها، ويضاعف من نسجها _
أما البيت الذي قال فيه:
وكأنما ابتدرا لكيما يطويا ... عن ناطس خبراً من الأخبار
فقد كان يند عني فهم المراد منه، حتى وقعت على تفسير له في تاريخ المسعودي. قال: ومالت خشبة مازيار إلى خشبة بابك فتدانت أجسامها، وكان قد صلب في ذلك الموضع ناطس بطريق عمورية، وقد انحنت نحوهما خشبته، ففي ذلك يقول أبو تمام: ولقد شفي