فإني لباكيه، وإني لصادق ... عليه، وبعض القائلين كذوب
وكان في آل كاوس جماعة من ذوي النفوذ والجاه كالفضل أبن كاوس أخي الأفشين الذي أبلى معه في حرب الخرمية بلاء عظيما. والحسن بن الأفشين زوج أترنجة أبنة القائد أشناس وكان يطمع في بعض مناصب الولاية في خراسان. فكان مقتل الأفشين مما يستوجب الضرب على أيدي أمثال هؤلاء ممن لا تؤمن بادرتهم، وقد نجحت خطة المعتصم في ذلك بمعونة عبد الله بن طاهر ولم يكن ليغيب عن أبي تمام لزوم هذا الإجراء الحاسم، فهو يذكره للمعتصم ويشير به عليه؛ ويذكر الأحرج في إلحاق أعيان آل كاوس بمصير سيدهم، لأنهم جميعا أهل فتنة وخلاف. ولئن كان الأفشين قد لقي من بينهم جزاء ما أظهر من خيانة، فكل منهم في خبيئة نفسه وباطن أمره (أفشين). فحقهم أن يلقوا ما لقي، وأن يذوقوا الكأس التي ذاق
ولا يفوت أبا تمام كعادته أن يستشهد على هذه الحقيقة بحوادث الغابرين، وأن يستنبط لها الأمثال من سير الماضين. فهو يذك لنا السامري صاحب موسى، وقدارا أشأم ثمود. وعنده أنهما لم يركبا من الشر ما ركبا إلا وكل منهما مؤيد من قومه بما طبعت عليه نفوسهم من الشر. وكأنما كان الله - سبحانه - ينظر إليهم بهذه العين حين شملهم بسخطه وعذابه جميعا وإذاً فليس أمام المعتصم إن تحرى الحزم والسداد إلا أن يأخذ جميع آل كاوس بجريرة صاحبهم الأفشين:
يا قابضا يد آل كاوس عادلا ... أتبع يميناً منهمو بيسار
واعلم بأنك إنما تلقبهمو ... في بعض ما حفروا من الآبار
لو لم يكد للسامري قبيله ... ما خار عجلهمو بغير خوار
وثمود لو لم يوغلوا في ربهم ... لم ترم ناقته بسهم قدار
ثم يختم الشاعر الموضوع الأصيل من قصيدته بإعادة ذكر المصلبين وقد لبست أجسادهم من لفح النار سوادا كالقار. ثم عبثت بها أيدي النسائم فانعطف بعضها إلى بعض كأنها في سرار ومناجاة.
ويذكر بعد ذلك أنهم ركبوا مطايا ضوامر ليست كالجياد من لحم وعصب، ولكنها من حديد