بمثلها، ولم تكن لديهم سوابق كافية يستأنسون بها في توسم تلك المشكلات الضخمة الكثيرة، وفي الطب لها
وإذا صحت هذه الملاحظة تكشف لنا مدى ما تغدقه العبقرية الهادية على (صحابتها) المستعدين لها من فضل في تصفية سرائرهم، وتصحيح ضمائرهم وأذواقهم وعقولهم، كي يتوجه كل منهم الاتجاه الذي ينبغي له في الحياة حينما يتيسر له، وحيثما يتيسر، وهذا الاتجاه لا يظهر إلا متى نضجت ملكات (الصاحب) وتهيأ لها المجال الذي يناسبها، فتتمرس فيه بالتجارب التي تثير دفائنها، وتشحذها وتصقلها، وقد يتأخر ظهور اتجاه (الصاحب) إما لعدم تمام نضوج ملكاته، وإما لأن المجال المناسب لها لم يتهيأ لها
والمجالات الكثيرة المتنوعة التي تناسب كل (أصحاب) العبقري قد لا تتهيأ له ولهم غالبا في حياته كي يوجه فيها أصحابه، بل تتهيأ بعد ذهابه على يد (أصحابه) أنفسهم إذا كتب لمبدإه الاستمرار بعده، وظلوا معتصمين به
والعبقرية تستعمل أصحابها على طريقتين نستطيع أن نصطلح على تسميتهما بالطريقة (الكمية) أو (الجمعية) أو (الكتلية) والطريقة (الكيفية) أو (الفردية) أو (الذرية)
ونعني بالأولى الطريقة العادية التي تسخر بها الجماعات العامية في الحياة اليومية، فنرى الفرد في الجماعة العامة - مهما يكن ممتازا - لا بعدو أن يكون (رقما) صغيرا ضمن عملية جمع حسابية كبيرة أو صغيرة، وهذه الطريقة لا يمكن أن تظهر (كل امتياز) الفرد إذا كان ممتازا
وإنما يلجأ العبقري إلى استعمال أصحابه على هذه الطريقة إذا ذاق أمامه أو توحد المجال الذي يوجههم فيه، ولم تتح له المجالات المتعددة المتنوعة ليختار لكل صاحب منهم المجال الذي يناسب كفايته. فاستعمالهم على هذه الطريقة المسرفة التي يبتذلون فيها آية فقر من المجالات، ولا مسوغ لهذا الإسراف وهذا الابتذال إلا الضرورة، و (من اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه)
وموقف العبقري في هذا الحرج يذكرني بالقصة الآتية:
أرسلني أبي - وأنا غلام - إلى حقل لنا، لأشرف على أجراء يعملون لنا فيه، ولمحت هناك فلاحاً كنت أعرفه ميسور الحال، كان هو صاحب الحقل المجاور لحقلنا وعجبت له