وهذا الشيخ موفق الدين عدنان بن العين زربي كان من أهل عين زرية وأقام ببغداد مدة، واشتغل بصناعة الطب والعلوم الحكمية ومهر فيها وخصوصا في علم النجوم، ثم بعد ذلك انتقل من بغداد إلى الديار المصرية وتميز في دولتهم، وكان من أجل المشايخ وأكثرهم علما في صناعة الطب فيما يقوله ابن أبي أصيبعة في طبقات الأطباء - ولقد ذكر له الرسالة المقنعة في المنطق وبين أنه ألفها من كلام أبي نصر الفارابي والرئيس ابن سينا، وقد توفى ابن العين زربي سنة ٥٤٨هـ بالقاهرة، فهو من القرن السادس الهجري
ولنقفز الآن قفزة عريضة إلى أوربا فنسمع دي بوير في جامعة أمستردام في هولندا يقول في كتابه (تاريخ الفلسفة في الإسلام) كان الفارابي رجلا ممن يخلدون إلى السكينة والهدوء وقد وقف حياته على التأمل الفلسفي يظله الملوك بسلطانهم، ولد في (وسيج) وهي قرية صغيرة حصينة تقع في ولاية فاراب من بلاد الترك فيما وراء النهر، وقد حصل على علومه في بغداد وقرأ بعضها على معلم مسيحي وهو يوحنا بن جيلان الذي توفى بمدينة السلام في أيام المقتدر، وقد ألم الفارابي في دراسته بالأدب والرياضيات، ويدلنا بعض مؤلفاته ولا سيما في الموسيقى على أنه درس الرياضيات، وتقول الأساطير إنه كان يتكلم بلغات العالم كلها (سبعين لغة) وقالوا أنه من براعته في الموسيقى أضحك الجالسين ثم أبكاهم ثم أنامهم وانصرف. ويرى (دي بوير) أن الفلسفة التي تدرب عليها الفارابي يرجع أصلها إلى مدرسة مرو، والظاهر أن أعضاء هذه المدرسة كانوا يعنون بمسائل الإلاهيات أكثر مما عني بها أهل حران والبصرة، فقد كان ميل هؤلاء متجها إلى الفلسفة الطبيعية
وكل حديثنا السابق أو جله كان يدور حول فلسفة الفارابي، ولكن كم لهذا الرجل الفاضل من مزايا أخرى يجدر بنا الوقوف عندها، فمنها عبقريته في الموسيقى التي أشار إليها (دي بوير) وقد قال أبن أبي أصيبعة في عيون الأنباء إن الفارابي كان في علم صناعة الموسيقى وعملها قد وصل إلى غاياتها وأتقنها إتقانا لا مزيد عليه، ويذكر أنه صنع آلة غريبة يسمع منها ألحانا بديعة يحرك بها الانفعالات. وقال (كارادفو في دائرة المعارف الإسلامية: وكان الفارابي موسيقاراُ معروفاً ونحن مدينون لقلمه في تدبيجه رسالة ذات أهمية بالغة في الناحية النظرية من الموسيقى الشرقية، وكان هو بنفسه موسيقاراً فنانا