هاويا وفنانا مؤلفا، وأن نبوغه أثار إعجاب سيف الدولة الحمداني، وأن الدراويش المولوية لا يزالون يرتلون الأغاني القديمة المنسوبة إلى الفارابي (راجع مادة من دائرة المعارف الإسلامية) ويقول زكي علي تحت عنوان (أوربا مدينة للحضارة الإسلامية) من رسالة نشرتها دار المكشوف في بيروت باسم (أوربا والإسلام) - وساهم المطربون والموسيقيون العرب في تقدم الفن الغنائي وتحسين آلة الطرب. ويعود الفضل إلى الفارابي (من القرن العاشر الميلادي) في القضاء على النظريات الموسيقية القديمة، وفي تفسير الإيقاع وكيفية حصول الأنغام. وقد اخترع الموسيقيون العرب الموسيقى الموقعة. وعنهم أخذت شبه الجزيرة الأيبرية وبالتالي أوربا كلها آلات الطرب؛ ومنها العود والرباب والقيثارة والطبل. ويظهر أن بعض فلاسفة العرب كان يملك اطلاعا واسعا وغريبا على الموسيقى وأثرها في الإنسان. وقد كانوا يستخدمونها في الطب وتنقل عنهم في هذا الباب قصص نقف بين يديها حائرين، فقد نقل القفطي في أخبار الحكماء في ترجمة يعقوب بن اسحق الكندي الفيلسوف العربي الشهير أنه استدعاه جاره للنظر في أبنه الذي اعترته سكتة فجأة فأجاب وصار إلى منزل التاجر، فلما رأى أبنه وأخذ مجسه أمر بأن يحضر إليه من تلامذته في علم الموسيقى من قد أنعم الحذق بضرب العود، وعن الطرائق المخزنة والمزعجة والمقوية للقلوب والنفوس، فحضر إليه منهم أربعة فأمرهم أن يديموا الضرب عند رأسه وأن يأخذوا في طريقة أوقفهم عليها، وأراهم مواقع النغم بها من أصابعهم على الدسانين ونقلها، فلم يزالوا يضربون في تلك الطريقة والكندي آخذ مجس (نبض) الغلام، وهو في خلال ذلك يمتد نفسه ويقوى نبضه، ويراجع إليه نفسه شيئا بعد شيء إلى أن تحرك ثم جلس وتكلم، وأولئك يضربون في تلك الطريقة دائما لا يفترون، فقال الكندي لأبي الولد: سل أبنك عن علم ما تحتاج إلى علمه، فجعل الرجل يسأل وهو يخبره، ويكتب شيئا بعد شيء فلما أتى على جميع ما يحتاج إليه غفل الضاربون عن تلك الطريقة التي كانوا يضربونها وفتروا، فعاد الصبي إلى الحالة الأولى وغشيه السكوت فسأله أبوه أن يأمرهم بمعاودة ما كانوا يضربون به، فقال هيهات، إنما كانت صبابة قد بقيت من حياته. ولا سبيل لي ولا لأحد من البشر إلى الزيادة في مدة من قد انقطعت مدته، وقد كان ذلك التاجر من كبار التجار موسعا عليه في تجارته وكان أبنه هذا قد كفاه أمر بيعه وشرائه، وضبط دخله وخرجه،