للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الله على أي حال! - وكان الخادم قد وضع أمامي شبوطةً مغرية، ولكن نفسي انصرفت عنها وزهدت فيها، فاضطجعت وأنا أعجب للذين يؤاكلون هذه الفتاة لماذا لا يتكلمون؟؟ وما لهم لا يغيرون هذا الموضوع.

(رجل مستهتر، لا يبالي ماذا يقول عن نفسه، ويظن لسخافته أن هذا من الظرف) فلم أعد أطيق هذا الطعن، واشتهيت أن أكتم أنفاسها بالفوطة، ولكني طويتها - أعني الفوطة - ووضعتها على المائدة وهممت بالقيام، فسمعتها تقول:

(على كل حال ماذا ننتظر؟ إن (اسبيريا) تسافر بعد غد، وإذا لماذا لم نشتر التذاكر غدا تأخرنا وفاتتنا. . .). وتسللت، كاللص، ولكن بعد أن خالستها النظر ورأيت وجهها، من غير أن تراني، وكانت مع الأسف جميلة. فزاد عجبي، فان الحسن ري ولين، وهذه الفتاة تحمل لي في جوفها بركاناً فائراً بالسخط والنقمة وكل ما ينافي معاني الجمال. فقرضت أضراسي وأقسمت لأسفارن على هذه الأسبيريا لأرى آخر هذه الحكاية.

وأقبل الليل، وكنت أتمشى في حديقة الفندق، وحدي، كما لا أحتاج أن أقول، وكنت لا أزال أحدث نفسي بما سمعت من أوصاف، وكان صدري كالخضم المضطرب، وكان الخدم يروحون ويجيئون في أرجاء الحديقة تلبية لنداء المنادين أو تصفيق المصفقين، وكان الأطفال يجرون هنا وههنا، وأنا ذاهل عن هؤلاء وأولئك جميعاً بالحجارة التي صكت سمعي على الطعام، فكنت أخطو خطوات، وأقف وأقول لنفسي: (حشرة. . .!).

فقال صوت (أفندم؟). قلت - غير عابئ به أو جاعل بالي إليه - (حشرة حقيرة. . تستحق السحق بالأقدام) واستأنفت السير، أو الخطو، وتركت الخادم - فقد كان أحد الخدم - يسخط ويلعن، أو لا يدري هل يضحك أو يغضب.

وإني لفي ذهولي هذا، وإذا بصرخة خافتة، فالتفت مسرعاً إلى مصدرها، فبصرت بفتاة حانية على غصن مريجٍ علق به ثوبها، فوثبت إليها وعنتها على تخليص الثوب، ولكن بعد أن تخرق.

وقلت وأنا أنفض التراب عن كفي وأشير إلى الثقوب الظاهرة في ثوبها:

(ليس هذا ذنبي. . إنه ذنب البستاني المهمل الذي يربي هذه الألفاف ليزين بها الطريق ولا يعني بتقليمها. . . .).

<<  <  ج:
ص:  >  >>