والمتتلمذون عليهم الآخذون عنهم محدثون واعون قد ينقلون شيئا يفوت التدوين ويعز على التحرير. ولكن الأمر في غير هذا وبعد أن قيدت الأقلام ما تنطق به الألسنة، وبعد أن أملى الأشياخ وكتبوا، هو من التاريخ لا يقوم إلا على تلك الفكرة الأولى التي عنت المحدثين والتي أسسوا عليها طبقاتهم. وحسبك أن الأمر انقضى عند المحدثين وبقى موصولاً عند غيرهم. ولو شاء مؤرخو اليوم أن يصلوه لوصلوه. ومالي أنسى أن الغزى الحنبلي انتهى في طبقاته إلى ١٢٠٧هـ وأن الشطي وصلها إلى سنة ١٣٢٥هـ
والحنبلية والشافعية أسبق من الحنفية والمالكية في جميع طبقاتهم. ويكاد يكون الحنابلة أسبق من الشافعية. فللخلال المتوفى سنة ٣١١ أول جولة في هذا الميدان؛ وأن وفاة أبن حنبل - كما تعلم - سنة ٢٤١هـ. ولعل سبب ذلك هو الصراع الذي قام بين المذاهب في نشأته، وبين الرأي المحيط به، وأنه لم يحظ برعاية ذوي الجاه، بل أوذي وأوذي أصحابه، وحورب وحورب رجاله، فكان هذا داعيا لأن يلتفت أصحابه إلى مذهبهم يحفظونه، وإلى رجالهم يترجمون لهم. وقد عرفنا الشدائد مع الأيام حافزة
وتلا الشافعية الحنابلة، فكان أول من صنف في الطبقات منهم محمد بي سليمان المتوفى سنة ٤٠٤. وبعد الشافعية المالكية، وأحسب ترتيب المدارك ليعارض باكورتهم في هذا. ثم جاء الحنفية بأخرة، فكان القريشي عبد القادر بن محمد المتوفى سنة ٧٧٥ أول من صنف لهم الجواهر المضيئة
وأبن رجب ذيل لطبقات الحنابلة لأبي يعلى الفراء المتوفى سنة ٥٢٦هـ. الذي جمع رجال المذهب من لدن عصر الإمام إلى سنة ٥١٢، وابتدأ أبن رجب بأصحاب أبي يعلى حتى سنة ٧٥١. وفي جمع أبن رجب في ذيله تراجم لنحو قرنين ونصف من الزمن على نحو فيه إفاضة وفيه سعة، فقد ذكر كثرة من الأحاديث بأسانيدها، كما عرض لكثير من المسائل الفقهية وغيرها من الفتاوى. بث ذلك كله خلال التراجم لم يتخفف منه حرصا على أن يفيد وينفع، كما لم يفته أن يروح بما أثر للفقهاء من شعر
والرجل ذو أسلوب متميز فيه وضوح وفيه سلاسة، هذا هو الكاتب الذي شمر له الأستاذان الجليلان هنري لاووست وسامي الدهان. أما أولهما فنعرف له صلته القديمة بالحنابلة ورسالته القديمة في أبن تيمية التي تعد مرجعا في هذا الباب، وأما ثانيهما فقد عددنا له