ومن أمثلة الأحوال التي تحل بقلب الصوفي، الطرب والحزن والبسط والقبض والانزعاج والهيبة ومن أمثلة المقامات التي تصير كسباً له؛ التوبة والورع والزهد والصبر والشكر والمعرفة والمحبة.
والكلام فيما يعرض للنفس من هواجس وخواطر، وبيان طرائق المجاهدة وما يعرض للقلوب من أحوال وما تكتسبه من مقامات، كل أولئك مباحث ذوقية سماها المتصوفة بعلم الباطن أو علم الوراثة أو الحقيقة أو الدراية، وفرقوا بينها وبين علم الظاهر أو علم النقل أو علم الرواية.
يقول السراج الطوسي في اللمع عن علم الباطن وعلم الظاهر والفرق بينهما (إن علم الشريعة علم واحد، وهو اسم واحد يجمع معنيين: الرواية والدراية، فإذا جمعتها فهو علم الشريعة الداعية إلى الأعمال الظاهرة والباطنة. . . والأعمال الظاهرة كأعمال الجوارح الظاهرة، وهي العبادات والأحكام مثل الطهارة والصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد وغير ذلك فهذه العبادات، وأما الأحكام فالحدود والطلاق والعتاق والبيوع والفرائض والقصاص وغيرها فهذا كله على الجوارح الظاهرة. . . وأما الأعمال الباطنة فكأعمال القلوب، وهي المقامات والأحوال مثل التصديق والإيمان واليقين والصدق والإخلاص والمعرفة والمحبة والرضا والذكر والشكر. . . فإذا قلنا علم الباطن أردنا بذلك علم أعمال الباطن التي هي على الجارحة الباطنة وهي القلب، كما أنا إذا قلنا علم الظاهر أشرنا إلى علم الأعمال الظاهرة التي هي على الجوارح الطاهرة).
وعلم الباطن عند الصوفية مستمد من الشريعة فلا خلاف بينهما، وغاية ما في الأمر أن علم الباطن علم ذوقي تنطوي عليه الشريعة، ومتى تحقق العبد بأحكام الشريعة وعمل بالكتاب والسنة، واتجه بقلبه نحو الله وسلك طريق الذوق، فقد حصل على ذلك العلم، فالحقيقة ثمرة الشريعة، وإلى ذلك أشار الشعراني بقوله عن علم الباطن (هو علم أقدح في قلوب الأولياء حين استنارت بالكتاب والسنة. . . والتصوف هو زبدة عمل العبد بأحكام الشريعة).
وصور القشيري في الرسالة العلاقة بين الشريعة والحقيقة تصويراً رائعاً فقال (الشريعة أمر بالتزام العبودية، والحقيقة مشاهدة الربوبية، فكل شريعة غير مؤيدة بالحقيقة فغير