هذا ولكي نبين طبيعة الكشف باعتباره منهجاً من مناهج المعرفة نفرق هنا بين نوعين من المعرفة: النوع الأول معرفة استدلالية والنوع الثاني معرفة مباشرة حدسية الاستدلالية ينتقل فيها الفكر من معنى إلى معنى، كأن ينتقل من المقدسات إلى النتائج أما المعرفة الحدسية المباشرة فتختلف باختلاف موضوع الإدراك. فهناك إدراك مباشر يتناول الأمور المحسوسة ويسمى أبن سينا بالمشاهدة، وهو معرفة مباشرة للشيء الخارجي المحسوس، وهناك إدراك عقلي مباشر وهو إما أن يكون منطقياً كأن تدرك العلاقة بين معين إدراكاً مباشراً بنظرة واحدة فهو بهذا المعنى سرعة الانتقال من مجهول إلى معلوم، أو يكون إدراكاً عقلياً ميتافيزيقياً مباشراً ويتناول موضوعات غير معطاة في عالم الحس وهذا النوع نجده مثلاً عند ديكارت وسبنيوزا، فديكارت يدرك إدراكاً عقلياً مباشراً باعتباره جوهراً مفكراً وذلك حين يقول , وهذا الإدراك العقلي المباشر لا مدخل العامل الزمن فيه فهو بر هي أو آني إن صح هذا التعبير.
وكذلك يرى سينيوزا أن معرفة الله هي معرفة حدسية كلية شاملة يسميها ويتولد عنها الحب الإلهي العقلي وهي تحمل في ثناياها يقينها ووضوحها.
ومن الواضح كل الوضوح أن المعرفة أن المعرفة الصوفية ليست من قبيل المعرفة الاستدلالية، أو المعرفة الحسية المباشرة، أو المعرفة العقلية المباشرة المنطقية، أو المعرفة الميتافيزيقية المباشرة العقلية، إذ أنها لا تعتمد على العقل واستدلالاته ولا على المشاهدة الحسية وتجاربها، وإنما هي من قبيل العرفان المباشر ويمكن تسميتها بلغة علم النفس الحديث بالمعرفة الوجدانية الصوفية المباشرة، ووسيلتها هي الإدراك الصوفي الوجداني المباشر وهذا المعنى ينطبق تماما على ما يطلق عليه الصوفية كلمة (كشف) والآن ما هو المعرفة الصوفية التي تتخذ الكشف منهجاً لها؟ وفيما يلي الجواب على ذلك: