ويحدثنا الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين عن اكتساب العلم اللدني فيظهرنا من خلال كلامه عن أن العلم الإنساني يكتسب بطريقين: التعلم والاستدلال ويسمى اعتباراً أو استبصاراً ويختص به العلماء والحكماء، وأما أن يهجم على القلب كأنه ألقي فيه من حيث لا يدري فهو نفث في الروع، ويسميه الغزالي في رسالته اللدنية بالتعلم الرباني).
ويعبر لنا الغزالي أيضاً في كتابه المنقذ من الضلال عن كيفية وصوله إلى اليقين بطريق الكشف والإلهام فيقول (ولم يكن ذلك بنظم دليل وترتيب كلام بل بنور قذفه الله تعالى في الصدر، وذلك النور هو مفتاح أكثر المعارف، فمن ظن أن الكشف موقوف على الأدلة المجردة فقد ضيق الله رحمه الله الواسعة).
وكذلك يحدثنا السهروردي المفتول في كتابه حكمة الإشراق أن ما توصل إليه من العلوم في منازلاته وخلواته لم يكن بطريق الفكر، بل كان حصوله بأمر آخر يقصد به الذوق أو الكشف وهو (ولم يحصل لي أولا بالفكر بل كان حصوله بأمر آخر ثم طلبت الحجة عليه حتى لو قطعت النظر عن الحجة مثلاً ما كان يشككني فيه مشكك).
كذلك يرى الجيلاني في كتابه الإنسان الكامل في معرفة الأوائل والأواخر أن إدراك الذات العلية هو بطريق الكشف الذي هو فوق العلم ومن قبيل الذوق.
والي مثل ذلك ذهب الشيخ حسن رضوان وهو صوفي مصري توفي عام ١٣١٠ في كتابه روض القلوب المستطاب (٢١) فهو يرى أن علم الحقيقة لم يتوصل إليه الصوفية عن طريق التفكير أو العقل، وإنما الكشف والإلهام.
ويقول الأستاذ رينولدلسون (فإن ما يسميه الصوفية المعرفة بالله ويعتبرونه من أخص صفاتهم يرادف في اللغة اليونانية كلمة التي معناها العلم بلا واسطة، الناشئ عن الكشف والشهود.
ومن كل ما سبق نستخلص أن الكشف الصوفي يعرض لأصحاب المجاهدة وقد صفت نفوسهم من شوائب الحس، فيدركون به من المعاني الغيبية والأمور الحقيقية مالا يدرك سواهم من أرباب العقول، وأن الكشف يتم بلا واسطة من نقل أو شيخ أو غير ذلك، وإنما هو إدراك ذوقي مباشر تنكشف فيه حقائق الأمور، وهو على تعبير الغزالي نور يقذفه الله