٤ - يصطنع الصوفية منهجا ذوقيا خاصا بهم ليس من السهل إخضاعه الدراسة العلمية فهو منهج خاص بأصحابه قاصر عليهم دون غيرهم وإذا أردنا أن نعبر عنه تعبيرا سيكولوجيا قلنا إنه من الاستيطان الذاتي كما أن الإدراكات المباشرة التي يتوصل إليها بهذا المنهج إدراكات خاصة لا يمكن إخضاعها للملاحظة الخارجية.
هذا والصوفية يدركون الله سبحانه وتعالى إدراكاً مباشراً مصحوباً بحالة وجدانية يصعب التعبير عنها بالألفاظ وهذا الإدراك المباشر يسمى عندهم بالكشف.
والكشف كما يعرفه الجرجاني (في اللغة رافع الحجاب وفي الاصطلاح هو الاطلاع على ما وراء الحجاب من المعاني الغيبية والأمور الحقيقية وجوداً وشهوداً).
ويقول الطوسي في اللمع (الكشف بيان ما يستتر على الفهم فيكشف عنه للعبد كأنه رأى عين).
ويحدثنا أبن خلدون في مقدمته عن الكشف فيقول: إنه يعرض لأصحاب المجاهدة وقد صفت نفوسهم من شوائب الحس فيدركون به من حقائق الوجود ما لا يدرك سواهم، وبانكشاف حجاب الحس يتلقى الصوفي المواهب الربانية والعلوم الدينية. ويحدثنا أيضاً عن الكشف بما يفيد أنه من قبيل الوجدان، ومن ثم قصرت مدارك من لم يشارك القوم ما هم بسبيله من أذواق ومواجيد عن فهم حقيقته.
وأورد الشعراني في الميزان عن محبي الدين بن عربي في الفتوحات ما نصه (من علامة العلوم الدينية أن تمجها المقول من حيث إنكارها، ولا يكاد من غير أهلها يقبلها إلا بالتسليم لأهلها من غير ذوق، وذلك لأنها تأتي من طريق الكشف لا الفكر).
ويقول الشعراني أيضاً (وكان الشيخ محي الدين بن عربي يقول: أصل المنازعة الناس في المعارف الإلهية والإشارات الربانية كونها خارجة عن طور العقول، ومجيئها بغتة من غير نقل ونظر، فتنكرت على الناس من حيث طريقها فأنكروها وجهلوها).
وفي رسالة أرسلها الشيخ محي الدين بن عربي إلى الإمام فخر الدين الرازي (إن الرجل لا يكمل في مقام العلم حتى يكون علمه عن الله عز وجل بلا واسطة من نقل أو شيخ. . . فلا علم إلا ما كان عن كشف وشهود لا نظر وفكر وظن).
كذلك يرى الغزالي في كيمياء السعادة أن اكتساب العلم اللدني بارتفاع حجاب الحس