رقدة تحت مطارق العبيد والمماليك والأفاقين. حتى إذا أريد لهم التخلص من هؤلاء كانت يد أخرى تستقبل الكرة لتلقفها فإذا بالعرب يخضعون خضوع العبيد لمستعمر آخر وسادة جدد وبقايا من أولئك العبيد والمماليك والأفاقين. حتى كاد يكفر المتعلمون من العرب - الآن - بعروبتهم وتاريخهم، وحتى أشاح بعض هؤلاء المتعلمين بوجهه عن تاريخ العرب، وتراثهم، مندفعا وراء الغرب في كل شيء وحتى اصحبنا الآن في بلبلة فكرية وقومية نتيجة للاضطراب السياسي والشعور بالخيبة من يقظتنا الأخيرة، وليس لذلك من سبب إلا لأن الدم العربي قد كدر وتجمد، والنفس العربية الأصيلة قد خثرت وضعفت، فلم يعد ذلك الدم الفوار، ولا تلك النفس الحائرة الجامحة.
يمثل هذا الشعور والإحساس يندفع الأستاذ الدسوقي إلى استياء الماضي البعيد ويضع كتابه (الفتوة عند العرب) فيقص علينا من جديد تاريخ ذلك العنصر العريق من زاوية واحدة لعلها أهم الزوايا لمن يريد أن يتحدث عن العرب، وهي زاوية الفتوة وما يتصل بها من مظاهر متشبعة تلتقي عند نقطة واحدة وان تعددت من الأشكال والألوان.
يقص علينا تأريخ العرب في فروسيتهم وشجاعتهم ونخوتهم وكرمهم، ويعرض علينا ألواناً من الأشخاص الذين كان لهم شأن في الحياة العربية، الجاهلية والإسلامية، وألواناً من الشعر الذي يمثل تلك الحياة في أنبل مظاهرها.
ويتحدث - بعد المقدمة التي تشير إلى الحافز على تأليف الكتاب - عن الفتوة في معناها اللغوي وعن الفتوة في العصر الجاهلي، ومظاهر هذه الفتوة في الشجاعة والكرم: كرم اليد التي لا تعرف البخل وان لم شيئاً، وكرم القلب الذي يتسع للكبير والصغير، وكرم العقل الذي لا يعرف البلادة والتقليد. بل العقل الذي يزن ويحكم ويفكر ويرى العقل الذي عبد الأصنام ثم حطمها حين رأى أنها حجر لا يضر ولا ينفع. وفي حماية الضعيف: الجار والمستغيث والأسير، والمرأة قربت أم بعدت.
وحين ينتهي من العصر الجاهلي يتحدث عن العصر الإسلامي والدعوة الإسلامية، والكفاح في سبيل هذه الدعوة، والرجال الذين ضحوا من أجلها وزعيمهم فيما (سيد الفتيان) محمد (ص). ولا ينسى أن يتحدث عن المرأة العربية في عنايتها بولدها وتنشئته على الفروسية والشجاعة والخلال التي يتصف بها أبوه أو خاله، ويضرب لذلك أمثلة كثيرة وشواهد من