وعندما ينتهي من هذا العرض التاريخي الذي يغلب عليه طابع الحماسة والإعجاب؛ ينتقل بنا إلى فصل آخر يكاد من التاريخ المجرد وإن تخللته أحيانا لمحات من التحليل والموازنة، ينتقل بنا إلى الصوفية، فهو يمجدها حيناً لأنها كانت رد فعل لحياة الترف والمجون التي أنغمس فيها المسلمون أيام الدولة العباسية، ويهاجمها حينا آخر لأنها آثرت الزهد في الحياة على الكفاح والنضال، ثم يستعرض الفتوة عند بعض المتصوفين وشيئاً من تاريخهم، وكنت أود ألا يشير إلى بعض أعمال الصوفية، أو بالأحرى أعمال بعض الصوفية، فإن الكتاب دروس أمليت لتمس حياة العرب في عصرهم الحاضر وتذكرهم بماضيهم العتيد. ولم يكن من الهين علينا أن نعيد ما سجله بعض المؤرخين من فتن ومشاحنات أستغلها وأثارها رجال السياسة الذين يريدون أن يحكموا بأية وسيلة من وسائل التفريق، معتمدين على فتاوى المعممين وأصحاب الربط والتكايا من الدراويش المتنطعين.
ولنتجاوز هذا الفصل إلى فصل آخر وهو (المترفين) وتتجلى هذه الفتوة في الصيد والرماية، وأصحاب هذه الفتوة من أرباب الثراء والجاه، وأبرز مظاهر هذه الفتوة في عهد زعيمها الناصر لدين الله المتوفى سنة ٦٢٢ وكان من أن يتسلل الحديث في هذا الفصل إلى الأيوبيين الذين طلب منهم الناصر أن ينتظموا في سلك فتيانه، ثم المماليك الذين جاءوا بعدهم وما كان من شأن هؤلاء في محاربة الصليبين نتيجة لتعلمهم الرماية والصيد، وكأنه أراد بهذا الفصل أن يجعل من فتوة الناصر لدين الله مدرسة تخرج فيها من جاء بعده من هؤلاء، كما كانت مدرسة النبي الكريم إذا كان لابد من التشبيه.
وينتقل بعد هذا إلى الفروسية عند الغربيين، ويوازن بينها وبين فتوة العرب، ويعزوا أكثر مظاهرها الجميلة إلى الاقتباس من العرب أيام الحروب الصليبية، وفي عهد الأندلس، ويدعم رأيه بالأدلة الكثيرة.
ثم يختم الكتاب بطائفة من الصور لفتوةالعرب، وهنا ينتقل بنا من الاستعراض التاريخي إلى الأسلوب القصصي، فيعرض لنا الصور في إطار جذاب وخيال مبدع، ينقلنا إلى آفاق تمتد بامتداد الصحراء العربية وما فيها من خصائص ومميزات طبعت العربي على تلك المزايا التي تحدثت عنها الكتاب في بدايته. ولا يسعني أن أتحدث عن هذه الصور في كلمة