للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقفوا أمامك صفاً واحداً شديد المرة، حصين الثغرة وقاوموك فهزموك وأسلمت نفسك للفرار. . .

فماذا أفادك بطشك وصلفك وأجداك جورك وعسفك، لكن تمكن منك الداء حتى نكلت بالأصفياء

وظنت دهرك لا يجيئك غدره ... والصفو من كلتا يديه متاح

فمضى وخلفك المعذب قلبه ... ولك ليل بكرة وصباح

نصرك الأنا بكى (قصروه)، وأصفى لك وده، ووهب لك مكنون حبه، ونخل لك مخزون رأيه، وتقدم أمام جنودك إلى باب السلسة وسلم المدرج بالقلعة، إبان نزاعك مع سلطانك وسلطان البلاد من قبلك الأشرف جانبلاط، وقتما نقضت عهده وشققت عصا طاعته وطعمت في الملك دونه، فتقدم صديقك قصروه يعاونك وأنت في شدتك، ويؤازرك وأنت في ضيقك، ودلف إلى القلعة وكان بها جانبلاط معتصماً، فحطم بابها وسلمها، وأقتحم رحابها وهيأ لك بذلك أسباب النصر ومهد لك سبيل إلى الملك وكان وقت جهادك إلى جانبك شديد التواضع جم المروءة نزل به حب الجميل وإسداء المعروف، إلى ما لم ينزل إليه أمير. فكان ينفق على حفر الخنادق من ماله، ويعاون على إنجاز حفرها بيده وحمل الأتربة على كتفه ورأسه، حفزا لهمم العمال وحثا لحماسة الجنود وضربا للأمثال. . .

فماذا كان نصيبه منك؟ حقا لقد خلعت عليه الأتابكية - قيادة الجند - أرفع مناصب الدولة بعد السلطنة، وعظمته ولكن تعظيم الخادع الماكر. حتى إذا اطمأنت إلى نفسك ووثقت بحولك وطولك بطشت به بطشة الجبار الفاجر. وهو أكثر ما يكون ثقة بك واطمئنان إليك، واعتماد عليك وبعدا عن التفكير في خيانتك فوكلت به من قتله.

وكذلك فعلت بالسلطان جانبلاط بعد ما أمنته وأستسلم إليك ووعدته بأن تضفي عليه أسباب الأمن والحرية، فماذا كانت عاقبته وعاقبة وثوقه بك؟ نفيته إلى الإسكندرية، ووصيت به من خنقه في سجونها، دون جريرة إلا ضعفه عن مناوأتك وانفضاض الطامعين من حوله إليك.

ومن قبل هذا بطشت بالظاهر قونصوه، وغدرت بالناصر محمد بن عثمان ونكات بأرملة السلطان المستسلم جانبلاط، ولم ترع لأنوثتها حرمة، ولا لكبر منها مكانة. مع أنها سرية

<<  <  ج:
ص:  >  >>