للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أسماؤه وسائر الصفات ... مجهولة لغيره كالذات

وليس للعقول فيها مدرك ... بل من وراء العقل كشفاً تدرك

والعارف بحسب ما يرى الشيخ عبد الرزاق القاشاني في اصطلاحاته (هو من أشهد الله ذاته وأسمائه وأفعاله فالمعرفة حال تحدث من شهود) ويقول القاشاني في كتابه كشف الوجوه الغر لمعاني نظم الدر وهو شرح لتائية ابن الفارض الكبرى عن معرفة الله سبحانه وتعالى من حيث أسمائه وصفاته (فمن العارفين من ليس له طريق إلى معرفة الله إلا الاستدلال بفعله على صفته، وبصفته على اسمه وباسمه على ذاته، ومنهم من تحمله العناية الأزلية فيشهد المعروف (أي الله سبحانه وتعالى) تعالى جده بعد المشاهدة السابقة في معهد ألست بربكم، ويعرف به أسماءه وصفاته عكس ما يعرف العارف الأول، وبين العارفين فرق؛ إذ أن الأول لقيه معروفه كنائم يرى خيالاً غير مطابق للواقع، والثاني لشهود معروفه كمتيقظ يرى مشهوداً حقيقياً).

ومن هذا نتبين أن نتبين أن معرفة الله على نوعين: النوع الأول يستدل منه العارف على الذات، بظاهر الأفعال والصفات، والنوع الثاني يقبل فيه العارف على ما وراء هذا الظاهر بعد أن تصفو نفسه، فتحمله عناية الله عز وجل من عالم الظاهر إلى عالم الباطن، وهناك يدرك الله سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته، وهو بهذا يشاهد الصفات والأسماء عن طريق الذات، ولا يشاهد الذات بطريق الصفات. وفي الحقيقة يعرف العارف الثاني الذات الإلهية معرفة يقينية حقيقية إيجابية، في حين يعرفها العارف الأول معرفة خيالية سلبية لاحظ لها من الحقيقة.

وثمة ملاحظة على جانب كبير من الأهمية من في هذا الصدد، وهي أن موضوع المعرفة الصوفية موجود في النفس بالفطرة، إذ أن النفس تعرف الله سبحانه وتعالى بالفطرة قبل أن تحل بالبدن، وأن اتصالها بالبدن الذي أفسد عليها معرفتها السابقة. ويرى الغزالي في رسالته اللدنية أن المعرفة مركونة في النفوس بالقوة كالبذر في الأرض أو الجوهر في مقر البحر أو قلب المعدن. ويقول القاشاني في مقدمة شرحه لكتاب فصوص الحكم لابن عربي ما نصه (فإن ترقى الإنسان بالعلم والعمل، وسلك حتى انتهى إلى الأفق الأعلى ورجع إلى البرزخ الجامع كما نزل منه، بلغ الحضرة الإلهية، وأنصف بصفات الله بحسب ما قدر له

<<  <  ج:
ص:  >  >>