من الإمكان وسبق العلم به عند تعيين عينه.) ومعنى هذا الكلام أن المعرفة بالله فطرية في النفس قبل التعيين، فإذا خلص المتصوف من عوائق بدنه وسلك طريق المجاهدة والتصوف، وصل إلى الأفق الأعلى وبلغ الحضرة الإلهية التي سبق له العلم بها، فاتصف بصفاتها على قدر طاقته.
ومما سبق نستخلص أن موضوع المعرفة الصوفية يدور حول الذات الإلهية وتعرف أسمائها وصفاتها وأفعالها وهذه المعرفة متوقفة على الذات الإلهية وأرادتها.
ولكن لا يفوتنا أن نشير بهذا الصدد إلى ملاحظة هامة وهي أن المعرفة لمتخل من الآثار الفلسفية، فما لاشك فيه أن الصوفية من أمثال أبن عربي والسهروردي المقتول ومن نحا نحوهم، قد مزجوا المعرفة الصوفية بالأنظار العقلية الخالصة، فالمعرفة عند هؤلاء ليست ذوقاً خالصاً وإنما هي مزيج من الذوق الخالص والنظر الفلسفي.
والآن وقد تحدثنا عن الموضوع المعرفة الصوفية، بقي علينا أن نعين الغايات التي ترمي إليها هذه المعرفة وفيما يلي بيان ذلك:
٦ - أتفق السالكون لطريق التصوف على أن غايتهم القصوى هي المعرفة بالله سبحانه وتعالى، ومتى تحققوا بهذه المعرفة فقد توصلوا إلى السعادة واليقين في حياتهم الدنيا وفي الآخرة.
ولكي يتحقق الصوفي بالمعرفة لابد أن يتصف بصفات نفسية تؤهله لتلقي المعارف اللدنية، ومن ثم يأخذ المريد نفسه بالمجاهدة الأخلاقية، فيتنقى عن الأخلاق المذمومة وتنتفي عنه الصفات القبيحة، وتسكن نفسه وتطمئن وتزول عنها دواعي الشهوات، وتصفو وتشرق فتدرك حقائق الأمور إدراكاً يقينياً.
والمعرفة الصوفية كما رأينا متوقفة على طهارة النفس ونقائها وإشراقها، ونستطيع أن نقول إن المعرفة الصوفية بهذا المعنى ترمي إلى غاية أخلاقية، ولقد عرف القشيري المعرفة في الرسالة بقوله (هي صفة من عرف الحق سبحانه بأسمائه وصفاته ثم صدق الله تعالى في معاملاته ثم تنتقي عن أخلاقه الرديئة وآفاته، ثم طال بالباب وقوفه ودام بالقلب اعتكافه، فحظي من الله تعالى بجميل إقباله وصدق الله تعالى في جميع أحواله، وانقطع عنه هواجس نفسه، ولم يصغ بقلبه إلى خاطر يدعوه إلى غيره فإذا صار من الخلق أجنبياً ومن