(لقد علمنا سيدي من أحد أعوان صاحب الشرطة أن مولانا عميد الجماعة قد ألقي القبض على سيدتي ولادة، وهو الآن يسيمونها أشد أنواع العذاب) فقال الرجل في استنكار وصوته يكاد يخنقه الغضب:
(وأي ذنب جنته حتى يقبض عليها الشرطة ويعذبونها؟) فقال الخادم:
(قيل يا سيدي إنهم وجدوا مولانا ابن المرتضى مختفياً بقصرها).
فما سمع ابن زيدون هذا حتى ذهب صوابه وهب مذعوراً والغضب يملأ نفسه، وصاح بصوت مرتعش: هذا بهتان وزور إن ولادة لا تخفي ابن المرتضى بقصرها وهي بريئة من هذا براءة الذئب من دم ابن يعقوب. وأنا يعرف أين يختفي ابن مرتضى، بل أنه في دارى، وها أنا ذاهب إلى ابن جمهور لأخبره بذلك ليكف زبانيته عن أطهر امرأة في قرطبة.
وهمَّ بمغادرة المكان ولكنه وجد أن بن جمهور يعترض طريقه كأنما انشقت عنه الأرض أو نزل من السماء، وفي وجهه صرامة وفي عينه لهب، وصاح في وجه ابن زيدون بصوت كأنه هزيم الرعد.
لقد تحققت خيانتك أيها الخائن. ثم أمر صاحب شرطته بالقبض عليه وإيداعه السجن حتى يرى رأيه فيه، وأمر آخر بتفتيش داره عله يجد ابن المرتضى هناك، ولكنه لم يجد له أثر. . .
وهكذا ذهب ابن زيدون إلى السجن لأنه لم يستطيع أن يملك زمام نفسه في مثل هذا الأمر الخطير، ولم يقدر على كبح جماح كبرياءه، برغم عبقريته ونبوغه، بل ذهب إلى السجن ضحية عبقريته ونبوغه وطموح نفسه، وقد قيل:
وإذا كانت النفوس كبارا ... تعنت في مرادها الأجسام
وقبله فر المتنبي من معية سيف الدولة بسب قوله:
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي ... وأسمعت كلماتي من به صمم