(أرأيت أبا الوليد كيف أن الرجل لا يخالط إلا المترددين المزعزعين الذين لا يحجبهم عن الفتنة إلا العجز أو الخوف من أن يكونوا حطبا لنارها) فدافع أبو الوليد عن صاحبه دفاعا حاراً، حتى استطاع أن يغير رأي أبيه فيه، وأن ابن زيدون إنما يعمل لصالح الدولة وتثبيت الأمر له (أي لابن جمهور).
ولكن ماذا يجدي مثل هذا الدفاع وابن زيدون بغير حذر ويتكلم بلا احتراس، بل ويتصل بأعداء عميد الجماعة ليل نهار ويجتمع بهم حتى مطلع الفجر.
وكان أعداء ابن زيدون مردة شياطين لا تعوزهم الحيلة ولا يصرفهم عدم تأثرا ابن جمهور بأقوالهم. . . فلما وجدوا أن هذه الوشايات لا تأتي بفائدة، وأن أبا الوليد يفسد عليهم كل شيء؛ أجمعوا أمرهم على شيء، بأن اتفقوا على إيقاع ابن زيدون في الشرك حتى لا يستطيع الخلاص بعد ذلك ويكون لهم ما يريدون.
كان أحد أبناء الناصر لدين الله ويسمي (أبن المرتضي)، يختفي بعيداً عن قرطبة خوف بطش ابن جمهور به، وكان الناس إذا أصابتهم شدة من ابن جمهور تهامسوا باسم أبن المرتضى كمنقذ لهم مما فيه، ولماذا لا يكون هو صاحب الأمر وهو من سلالة الخلفاء. . . وقد استطاع ابن المرتضى أن يتخذ أنصاراً من أعداء ابن جمهور ثم يدخل قرطبة خفية ويختفي عند أحد أتباعه وكان ابن زيدون من هؤلاء الأتباع وقد مال إليه عندما لقي من إعراض ابن جمهور عنه وتجهمه له بل وكان يعرف أين يختفي. علم بذلك ابن عبدوس وأنصاره المبغضون لابن زيدون فاتفقوا على أن يخبروا بذلك ابن جمهور ولكن الدليل المادي يعوزهم، وأبن جمهور لا يأخذ بأقوالهم ما دام أبو الوليد راضياً عن ابن زيدون.
فاجتمعوا وتبادلوا الرأي فقال أحدهم إن ابن زيدون يعرف أن بن المرتضى يقيم بقرطية بل وهو على صلة به ويلتقي به كل ليلة، ثم اقترحوا أن يدعوا أحدهم ابن زيدون إلى داره، وأن يكون هناك ابن جمهور مستخفياً ليسمع ويرى. . .
ودعا الرجل ابن زيدون إلى ليلة في داره، وكان ابن جمهور وأعوانه مستخفين متنكرين، وبينما القوم يسمرون إذا جلبة وضوضاء في خارج القاعة، فنادى كبير خدمه وسأله في استنكار عن هذا اللغط والضجيج، فظهر التردد والخوف على وجه الخادم بادئ الأمر، ثم قال: