تعلق كثيراً على احتلال مصر لا لشيء إلا لأن احتلالها كان راجعاً إلى (جلادستون) وكانت هي معجبة به. ويقول رسل (أنه يذكر نقاشاً دار بينه وبين مربيته الألمانية فقد قالت له: إن الإنجليز إذا دخلوا مصر، فلن يخرجوا منها أبداً مهما أعطوا من وعود. ولكنه أصر عن عاطفة وطنية جياشة، على أن الإنجليز لا يخالفون وعودهم قط. ثم قال: وكان ذلك منذ سبعين سنة، ومازالوا فيها ولم يبرحوها) وهذا قول نرويه دون تعليق، ولتضع أنت النقط فوق الحروف كما يقولون.
لم يلتق رسل تربيته الأولى في المدارس، فلم يبعث به إلى المدرسة، بل أحضر إليه المدرسون والمربيات. وقد أجاد على أيدي هؤلاء المدرسين، اللغة الفرنسية والألمانية إجادة تامة، وكثيراً ما كان يقلب وينقب في مكتبة جده التي كانت حجرة دراسته كما يقول.
وفي سن الحادية عشرة حدث له حادث أثر في حياته كل التأثير، أو هو الحادث الذي وجه حياته كلها، والذي أكتشف فيه رسل ما يوافق هواه وهذا الحادث: هو أن أخاه الأكبر - وكان يكبر رسل بسبع سنين - أخذ يعلمه هندسة (إقليدس) - وكتاب إقليدس كان أفضل كتاب في الهندسة - وقد سر رسل بذلك سروراً عظيماً؛ لأنهم قالوا له: إن إقليدس يبرهن على كل ما يقول؛ ولكن حينما بدأ في تعلمه، وجده يبدأ بالبديهيات التي يسلم بها بدون برهان، فما كان من هذا الذهن الذي ركب تركيباً، لا نقول رياضياً، بل تركيباً يكاد يعلو على مستوى الرياضي، إلا أن يشك في البديهيات، ولا يقتنع بها ولكن أخاه ولكن أخبره أن لا فائدة إذن من تعلم الرياضة إذا لم يسلم بهذه البديهيات، فسلم بها مكرهاً. ومع ذلك فقد وجد في الرياضة لذة لأنها أقرب الحقائق إلى الثبات، ولكنها ليست مع ذلك ثابتة، ومن هذا الحين أخذ يتعمق في درس الرياضيات التي ستؤديه إلى منطقه التحليلي الذي سيفتح به المشاكل الفلسفية.
فها هو ذا عقل يشك في كل شيء حتى في الرياضيات، ويطلب لكل شيء برهاناً حتى البديهيات!
واستمر الصبي الصغير يتربى على أيدي المربيات الألمانيات والسويسريات، وأخيراً، على أيدي المدرسين الإنجليز. وحينما بلغ الرابعة عشرة من عمره، أخذ يديم النظر والتفكير في أمر الدين، ويتساءل لماذا هو مسيحي؟ بل لماذا يؤمن بالدين؟ وأين البرهان