للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وبعد أن يمضي قليلاً يأسى لعيس كيف كانت تئن من العجز وكيف دقت بكلكلها الثرى في (دوقة) وكيف ثابت بعد أن أقامت بها يومين، وكيف جازت مسيل الواديين ولم تقف به والليل أسود حالك، وإنما مضت في سرها سواد الليل وطرفاً من النهار. حتى إذا اعتلت الشمس صاروا إلى (ذكوان) وكان لهم فيه مقيل غير محمود، فقد بلغ الإعياء بهم مبلغاً عظيماً. وكانت الشقة بعيدة، وكان لا ماء علقماً والتمسوا (العجور) فلم يجدوه. . ثم ساروا حتى وصلوا (الليث) لم يطيلوا المكث به، بل راحوا (للهضب) حتى إذا صاحت حداة الركب: (هذي يلملم) ألمت به الأفراح واهتزت نفوسهم طرباً وأناخوا ركابهم ونزلوا واغتسلوا وصلوا ولبوا وأحرموا وكان للركب ضجيج، وكانت عيونهم تذرى الدمع فرحاً ولم يمكثوا هناك إلا بمقدار ما أدوا به شعار النسك، واستهلوا بلبيك اللهم لبيك، ومن ثم يمموا نحو البيت الحرام وهو يجهشون بالبكاء:

وفي (دوقة) دقت بكلكلها الثرى ... وقامت على عجز تئن ورزم

ولكنها من بعد يومي إقامة ... أثابت فسارت وهي للركب تقدم

وجازت مسيل الواديين لم تقف ... به والدجى بين المسلمين مقتم

وصارت إلى (ذكوان) حين ذكا اعتلت ... وكان لها فيه مقيل مذمم

هزال وإعياء إلى بعد شقة ... وقد عدم العجور والماء علقم

وما طوت مذ جاءت (الليث) لبثها ... (وللهضب) راحت والحداة تترجم

ألمت بنا الأفراح لما تباشر ... وصاحت حداة الركب هذي (يلملم)

أنيخوا المطايا وانزلوا وتغسلوا ... وصلوا ولبوا خاضعين وأحرموا

فكم ضجة للركب ثم وجلة ... وكم مقلة تذرى الدموع وتسجم

وما مكثوا إلا بمقدار ما أتوا ... به من شعار النسك ثمت أحرموا

بلبيك لبيك استهلوا وأجهشوا ... ومن ثم للبيت الحرام تيمموا

ثم بدت لهم معالم مكة:

وصرح بالأمر الحداة وبشروا ... وغنوهمو هذا المقام وزمزم

وذا بيت رب العرش ما دونه سوى ... ستور بالجلالة ترقم

فألقت عصاها واستقر بها النوى ... وقر عيونا باللقاء المتيم

<<  <  ج:
ص:  >  >>