القرون. إن الاستعمار التركي قد اختفى حكامه، وبقيت تقاليده وشعائره وأحكامه).
ثم تحدث عن الاستعمار الإنجليزي، مبيناً مثالبه وأخطاره، وشارحاً دخول الإنجليز مصر، والمظاهر المختلفة التي ظهر فيها الاستعمار، وأطال جداً في هذه الناحية، وانتهى إلى أن شيئاً ما تفعله الحكومة لن يخرج الإنجليز من مصر، فالمفاوضات لا ثمرة لها، والمنظمات الدولية خداع ونفاق وأداة في يد القوة، وإنما يخرج الإنجليز من مصر شيء واحد، هو القوة، ولا شيء غير القوة.
ولتحقيق هذه الغاية يتعرض المؤلف للأوضاع القائمة في مصر، وينقدها نقداً عنيفاً صريحاً لا مواربة فيه ولا التواء، ثم يوضح الطريق للاصلاح المنشود (ولقد حاولنا جهد هذا البحث المقتصد الموجز، أن ننفض عن أمتنا طغاة البغي، ورهج الانكسار، ونعاونها في فض قيودها وأغلالها، وسنرى خلال سيرنا مع هذه السطور ما يجعلنا نرتد عاجزين عن الاقتناع بأن لنا حقوقاُ ترعى وحرمات تصان) فينقذ الحياة النيابية، ويرسم الخطة لإصلاحها، وينقد الصحافة التي تجعل (الأخلاق التجارية تسيطر عليها أكثر مما يسيطر عليها الواجب الأدبي) وينقد الأحزاب ومناهجها وسلوكها في حكم الأمة (فالحزب الذي لا يستأثر بالحكم يستأثر بكل شيء معه. لقد آمنت بأن الاحزاب لا تحترم الشعب أبداً. أن الحزب - فيما يبدو - لا يريد نائباً يشرفه بعقله وماهبه، ولكنه يريد - بوليصة تأمين - تؤمن خزينته من الإعواز، ونفوذه من الخذلان. وبعد: فإن مجالسنا النيابية حتى اليوم لم تمثل الأمة بقدر ما مثلت الحزب. والبرلمان الذي يأتي ثمرة هذه الأوضاع الفاسدة - لا يحكم الحكومة بل تحكمه) وينقد الحكومات في معالجتها كل حركة بقانون، ويرى أن السلس الذي يصيب الحكومات في وضع القوانين هو أخطر ما تصاب به أمة، وأن محاولة زجر الشعب بقانون إنما هو كمحاولة إطفاء النار بقاذفات اللهب (ولسنا بذلك ندعو إلى شغب أو فتنة، بل إلى سكينة وسلام، وإنما دعاة الفتنة والثورة، بحق هم أولئك الذين يتحدون طبائع الاشياء ويحاربونها بقانون) ثم يصف خال الشعب في عبارات صريحة جريئة (إن بلادنا محرومة من أن تفكر لأنها محرومة من أن نقرأ، ومحرومة من أن نعبر ونقول، وهي ممنوعة من ذلك كله حرصاً على سلامة الدولة، وسلامة الهيئة الاجتماعية. مطلوب من الجماهير أن تبسط يدها إلى اللقمة العفنة، أو الحشرة الدسمة، ثم تدسها في فمها، وتستحلها