للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

إلى الروم من البحر، فلما وصل إلى منهل مشهور كان يرده الركب المصري عادة يسمى (الوجه) وهو واد فسيح به شجر من الأراك، تذكر مكة وما حولها من الأراك، واشتد به الشوق والحنين إلى والدته واخوته وبنيه، وإذا هو يهتف بهذا القصيد:

حشاً فيه من صدع الفراق قروح ... وجفن جفاء النوم فهو قريح

وحسب النوى قلب من الوجد خافق ... ووابل دمع في الخدود سفوح

تضيق بي الدنيا إذا ما ذكرتكم ... وتعرض في فكري مهامه فيح

ولا سيما طفلي الذي من صبابتي=ووجدي به روحي تكاد تروح

ولم أنسى إذ فارقته وهو مطرق ... والفت وجهي عنه وهو بنوح

ترى هل إلى أم القرى لي أوبة ... تزيح همومي والعنا وتريح

ويا حبذا (بالوجه) واد بسفحه ... أراك له طيب يشم وربح

مررنا به والركب وان من السرى ... وشمس الضحى وسط السماء تلوح

وقد أورقت أغصانه وظلاله ... ترف ومرأى العين فيه فسيح

ذكرت به وأدى الأراك من الحمى ... وعشيا مضى فيه وظلت أنوح

وبرح بي وجدي إلى أن رأيتني ... أقوم مرارا ثم ثم أطيح

رعى الله دهرا مر حلوا بمكة ... ليالي عنا النائبات نزوح

إذ العيش غض والربوع منيرة ... ودهرى بمهما رمت منه سموح

عذيرى من الأيام يجنين دائما ... على فكم من جورهن أصيح

تبين لي الوجه الذي لا احبه ... ويخفين لي إليه طموح

وربما لج بنفس الزمزمى لاعج الشوق ألح إلحاحا شديداً فادا هو يناجى عروس الشعر بالقصيدة ارتجالاً. ومن ذلك انه لما كان بمدينة (أدنه) وشاهد قافلة حمولتها فلفل، وزنجبيل وقرنفل، مما يحمل من مكة وجدة برا وبحرا إلى مصر والشام، هتف به داعي الحنين وتذكر أرض الحجاز فأنشد على البديهة قصيدة خفيفة جاء فيها:

وميض البرق بعد سنه ... نفى عن ناظري وسنه

وذكرني عهود هوى ... بها الأرواح مرتهنه

وهل نسيت فأذكرها ... إذن أنى من الخونه

<<  <  ج:
ص:  >  >>