للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بالرقص والموسيقى، وتزيينها بالزخرف المناظر والأزياء، فذلك تذهيب لحافة الكأس المسمومة يشربها الشعب فتقتل فيه عناصر الخير وعواطف الفضيلة!

المأساة العامية

المأساة العامية درامة تتألف من الحوادث الفاجعة، والمواقف المروعة، والهزل الجريء، وتستعين بالرقص والموسيقى. وقد علق بها اسم (الميلودرام) في منصف القرن الثامن عشر، وأشتهر بتأليفها من الكتاب الفرنسيين (جيلبير دبكسير يكور) و (دوكانج) و (دينيري). ولكن ما كتبوه عافه النقد لتبذله وتسفله. يمتاز هذا النوع بأثره القوي وعمله العنيف. فموضوعه إما أن يكون طاغية غشوماً يرتطم في مراغة العيب والفحش، أو رئيس طغمة من قطاع الطرق يطارد فتاة طاهرة عفيفة فاضلة، أو خائناً يخب في ظلال ويوضع في الغي، أو حبيباً باسلاً يقع حبيبه في قفص الأشرار فيغالب الأخطار ويصارع الفجار حتى يرد مكرهم ويدفع شرهم، أو غبياً يعقد العمل بغباوته ويحرج الموقف بساخفته. ثم تتدخل العناية الإلهية بعد هذه التقلبات الشديدة، والمشاكل العديدة، فتأخذ للبريء من المجرم وتقتص للفضيلة من الرذيلة. وعملها شديد العنف قوي الأثر، يضحي بالإمكانية في سبيل الضربات المسرحية والمفاجآت القوية، وتعتمد على الخناجر والسموم والحرائق في الأخذ بكظم النفوس وإثارة الرعب في القلوب. أما موسيقاها فتعبير عن المواقف والعواطف، وتتقدم دخول الأشخاص، ورقصها قد يكون تعبيراً عن معنى وتمثيلاً لفكرة وقد يكون إمتاعاً وتسلية يتخلل حوادث الرواية. وأما أسلوبها فمزيج من البهرج الخالد والعامية المبتذلة، مما يلائم هذه الأفكار التي تشرحها، والعواطف التي تصفها. وماذا تجدي الأساليب الفخمة، والتراكيب المونقة، في جمهور لا يريد أن يتأثر إلا بالزياط والعياط، ولا يتسلى إلا بالصراع والقراع، ولا يعرف إلا أن يقول في نهاية الفصل الخامس وهو مجذوب بالحادث مكروب للبطل: آه! رباه لقد نجا!! على أن مال هذا النوع إلى الفناء، فأن الشعب كلما رقت عواطفه وتهذب حسه، ودق شعوره، آثر الصدق والإمكان، وقدر الفن والبيان، وعاف الصخب والهذر والعنف، ولذلك تجد الدرامة تحتل في كل مكان محل الميلودرام.

(يتبع)

<<  <  ج:
ص:  >  >>